يقدم كتاب "معجم الأسر النجدية في الزبير" سرداً تاريخياً لبداية هجرة بعض الأسر من نجد إلى العراق وتحديداً منطقة الزبير.وفي مقدمة الكتاب الصادر عن ذات السلاسل، يقول المؤلف أ.د. عبدالباسط الدرويش:"الحمد لله الذي جعل الناس شعوباً وقبائل ليتعارفوا، وجعل منها أسراً وعوائل ليستخلف الإنسان في الأرض ويتكاثروا. لقد أهمني بلد الزبير بن العوام وما أدى إلى تطور هذه البلدة وجعلها مؤثرة في ما جاورها من البلاد، فقد سكنت الزبير عوائل أصلية عربية أساسها من الجزيرة العربية أثناء الفتح الإسلامي، ثم هاجرت أسر نجدية بسبب القحط والجوع أو المصادمات مع قبائل أخرى لتهاجر من موطنها الأصلي إلى مدينة الزبير، ثم هاجر قسم منهم إلى الكويت وغيرها من دول الخليج العربي، ومنهم من عاد إلى بلاده ومسقط رأسه الأصلي".
ويضيف:" وبنزول هذه العوائل في الزبير مع ملاءمة الأرض المباركة، انتشر هؤلاء فيها يسيحون في الأرض يضربون فيها ويتاجرون ويزرعون ويتعلمون حتى غدت إمارة يشار لها بالبنان، وأسست هذه الأسر كتاتيب لتعليم الناس ثم تطورت إلى مدارس خرّجت الكثير من العلماء الذين ازدهرت بهم الزبير، وبعد عودتها إلى موطنها الأصلي، فنذكر في كتابنا هذا جهد هذه العوائل النجدية وأثرها في الفكر والعلم والأدب، ولكي لا نغمط حقهم إذ ساروا مع إخوانهم العراقيين من أهل البصرة لازدهار مدينة البصرة التي كانت سوقهم الكبير لتصريف تجارتهم وبعدهم الاستراتيجي في العلم والمعرفة، ويذكر الكتاب أن الزبير هي مدينة عراقية عريقة تقع جنوب غرب العراق بالقرب من البصرة، تتبع إدارياً محافظة البصرة. يبلغ عدد سكانها حوالي 370.000 حسب تعداد عام 2014م. وتسكن قضاء الزبير عشائر وقبائل وأسر من أصول نجدية عربية، ولكن عاد الكثير من تلك الأسر النجدية إلى المملكة العربية السعودية والكويت في مطلع الثمانينيات قبل الحرب الإيرانية - العراقية. وفيما يتعلق بموقعها الجغرافي يوضح:" تقع مدينة الزبير إلى الجنوب الغربي من مدينة البصرة في جنوب العراق، وكانت تعتبر أحد مراكز الاستراحة للمسافرين من الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي إلى العراق، كما أن قربها من البادية جعلها موقعاً لاستقرار البدو القادمين من صحراء نجد وبادية العراق ومنطقة للتبادل التجاري معهم، والزبير كبلدة عراقية لها مكانتها التاريخية وتحفل بالتراث والأحداث خلال بضعة قرون من تأسيسها، كما أنها محط رحال القادمين والقاصدين إلى حج بيت الله الحرام ممن هم خارج العراق، قادمين من الشمال والشرق". وعن تسميتها بهذا الإسم، قال قد سميت بهذا الاسم نسبة إلى الزبير بن العوام رضي الله عنه، المدفون فيها سنة 38 هـ /658 م، وهو ابن عمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة. وهي تقع بين موقع مدينة المربد الأثرية وبين مدينة البصرة القديمة التي أسسها عتبة بن غزوان في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. يعتقد أن المدينة أسست في سنة 979 هـ /1571م، عندما أمر السلطان العثماني سليم الثاني أن يقام مسجد بجوار قبر الزبير بن العوام في شهر رجب من نفس السنة، وقضاء الزبير قريب من موقع البصرة القديمة، وبالذات قرب مقابر البصرة. كانت الزبير قبل الحرب العظمى الأولى تابعة للواء البصرة من ولاية بغداد، وكان حكمها الداخلي بالمشيخة، ثم تحوّلت المشيخة إلى ناحية في زمن الاحتلال البريطاني، وبُنيت لها بلدية وعُيّنَ مديراً عليها عبدالوهاب الطباطبائي، وقد فعلت بريطانيا ذلك لأنها وجدت أن شيخ الزبير إبراهيم البراهيم الراشد حينئذٍ كان مستأثراً ولا يصلح لزمانه، ولأنّ أهل الزبير قد اغتاظوا منه، فعُزل يوم 11 ذي القعدة 1339 هـ.إن العوامل الطبيعية قد دفعت الكثير من الجماعات من أهل نجد للهجرة إليها، حيث كان الصراع السياسي في مناطق مثل منطقة سدير والجزء من العارض، وأيضاً البحث عن سبيل حياة أفضل نتيجةً للجفاف الذي اجتاح نجد خلال بعض السنوات والذي سبب قحطاً ومجاعات أجبرت بعض سكانها على الهجرة للمناطق المجاورة بما فيها مدينة الزبير التي كانت تتميز بمياه جوفية تؤمن متطلبات الحياة والاستقرار وبالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي لقربها من الكويت والبصرة.هاجرت بعض العوائل النجدية في القرن التاسع عشر إلى منطقة الزبير بسبب الجفاف ونقص الموارد ولكن بعد تأسيس إمارة الكويت والمملكة العربية السعودية، وتحسن الأوضاع بسبب استخراج النفط رجع أعداد كبيرة منهم إلى نجد ثم هاجر معظمهم في عقد الثمانينيات أثناء الحرب العراقية - الإيرانية كذلك في حرب الخليج الثانية حيث هاجر قسم منهم في عقد التسعينات ولم يتبقّ سوى القليل من العوائل النجدية بمقابل ذلك هاجرت عوائل كثيرة من المناطق الشرقية في البصرة والعمارة إلى منطقة الزبير بسبب أحداث الحرب العراقية - الإيرانية وتدمير المناطق السكنية في القرى الحدودية.
أخاديد عزّ وشموخ وإباء
في خاتمة الإصدار، يكتب المؤلف أنه بعد مسيرة في أراضي الزبير نشم عطر العوائل التي نزلتها وشذى الأسر التي قطنتها، وبعد الدخول في معاقلها رأينا تاريخاً مجيداً وأعمالاً حميدة تزهو بها هذه الأرض المعطاءة، التي رسمت على سماء الزبير عِلماً وفكراً ما زالت الأجيال تذكره، وحفرت في أرضه أخاديد عزّ وشموخ وإباء في الخلق الحسن والمعاملة الطيبة فظهرت نتائج عدة منها: 1- نبغ علماء أفذاذ حملوا اسم الزبير مذ كانوا فيها إلى أن عادوا إلى وطنهم مع بقاء أثر علومهم في الزبير وأبنائه.2- آثار هذه العوائل كثيرة منها ظهور الكتاتيب والمدارس والمكتبات والجمعيات ومن قاد ذلك من العلماء،3- بلغ عدد العوائل (573) عائلة هاجرت بعضها إلى وطنها الأصلي وبقي قسم منها من سكنة الزبير أو رحل إلى داخل أقضية البصرة ومنهم من رحل إلى الكويت والبحرين وغيرهما.4- منهم من حكم الزبير في إمارة ظلت مدار حديث الزبيرين ولن يتنصل أحد من الفخر بها وبمن حكم فيها.