شيع "الحشد الشعبي" بالعراق أمس ضحايا الضربة الأميركية الأخيرة، التي استهدفت مواقع تابعة له على الحدود العراقية السورية، غداة إطلاق فصائل موالية لإيران في سورية قذائف صاروخية على قاعدة حقل العمر النفطي بمحافظة دير الزور، التي تسيطر عليها قوات قسد الكردية السورية المتحالفة مع واشنطن.ويبدو أن احتمالات التصعيد في المنطقة تراجعت بعد هذا الرد، ولخص مراقبون الوضع كالتالي: ضربت واشنطن حلفاء طهران، فردت طهران بضرب حلفاء واشنطن.
وأكدت "قسد"، في بيان، أمس، تعرض قواعدها المتقدمة "لهجمات صاروخية خطيرة" شرق الفرات، اقتصرت أضرارها على الخسائر المادية فقط، مشددة على أنها ردت مع القوات الأميركية برشقات صاروخية من قاعدتي حقل العمر وكونيكو باتجاه مناطق سيطرة القوات الحكومية السورية والميليشيات الإيرانية الموالية لها، جنوب مدينة الميادين السورية الحدودية مع العراق.
الثأر والخروج
وفي العراق، شيع الحشد الشعبي 4 من مقاتليه قضوا في الهجوم الأميركي على الشريط الحدودي مع سورية، بمشاركة الآلاف من مقاتليه وأنصاره وكبار قياداته، بينهم رئيسه فالح الفياض وزعيم منظمة بدر هادي العامري، إضافة إلى مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي. وتجمع المشيعون، الذين هتفوا "الموت لأميركا" و"القصاص والثأر للشهداء" قرب ساحة الحرية في منطقة الجادرية القريبة من بوابة المنطقة الخضراء، التي تضم سفارتي الولايات المتحدة وبريطانيا. ووسط إجراءات أمنية مشددة، شملت إغلاق المنطقة المحصنة، التي شهدت اقتحامات متكررة من الفصائل الموالية لإيران، ضمنها الحشد الشعبي، رفع المشيعون الذين رافقتهم سيارات تحمل مسلحين يرتدون اللون الأسود، لافتات كتب عليها "استهداف الحشد يجب أن يسرع بإخراج القوات الأميركية" وأعلام العراق وفصائل الحشد وصور الضحايا.وكان الأعرجي، قال أمس الأول إن العراق سيتوصل قريبا لاتفاق مع الولايات المتحدة على جدولة سحب قواتها، مشددا على أن بغداد ليست بحاجة إلى قوات قتالية أجنبية على أراضيه.صراع غير معلن
ولم تكن الضربات التي أمر بها بايدن الأولى من نوعها، ولن تكون على الأرجح الأخيرة في ظل رئاسته حديثة العهد، لكن السؤال المهم بالنسبة لبعض الديموقراطيين من حزب بايدن هو: هل يرقى نمط الهجمات والهجمات المضادة هذا إلى مستوى صراع غير معلن؟ويقولون إنه إذا كان الأمر كذلك، فهناك احتمال أن تتورط الولايات المتحدة في حرب مباشرة مع إيران دون مشاركة الكونغرس، وهو أمر أصبح مشحونا سياسيا بدرجة أكبر بعد عقدين من "الحروب التي لا تنتهي".وقال السيناتور كريس ميرفي، وهو ديموقراطي يرأس لجنة فرعية مهمة للعلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، لـ"رويترز"، "من الصعب المجادلة بأن هذه ليست حربا، نظرا لتواتر الهجمات على القوات الأميركية، ومع تصاعد وتيرة ردودنا الآن"، مضيفا: "ما يقلقنا دوما هو انزلاق الولايات المتحدة إلى حرب دون أن يكون الشعب الأميركي فعليا قادرا على إبداء الرأي".واقترب البلدان من الصراع الذي يخشاه الديموقراطيون في 2020، عندما قتلت الولايات المتحدة قائدا عسكريا إيرانيا كبيرا، وردت إيران بضربات صاروخية في العراق، ألحقت إصابات بالدماغ بأكثر من 100 جندي أميركي. وجاء ذلك في أعقاب سلسلة من الهجمات المتبادلة مع فصائل مسلحة مدعومة من إيران.وقالت إيما أشفورد، الزميلة المقيمة بمجلس الأطلسي على "تويتر"، "يعتقد كثيرون أن تعبير الحرب التي لا تنتهي مجرد تعبير انفعالي، لكنه في الحقيقة وصف مناسب لنوع الضربات التي شهدناها مجددا (الأحد)، حيث لا يوجد هدف استراتيجي ولا نقطة نهاية واضحة، مجرد وجود دائم وضربات متبادلة".وأكد البيت الأبيض أن ضربات الأحد كانت تهدف للحد من التصعيد، وردع عمليات الفصائل المسلحة ضد القوات الأميركية في المستقبل. وقال بايدن كذلك إنها قانونية، وقال مشيرا إلى بند من الدستور الأميركي يوضح بالتفصيل سلطات الرئيس كقائد عام للقوات المسلحة: "لدي السلطة بموجب المادة الثانية، وحتى أولئك القابعين في أبراجهم العالية الذين يترددون في الاعتراف بذلك قد أقروا به".وذكر برايان فينوكين، المسؤول السابق في مكتب المستشار القانوني بوزارة الخارجية، أن الإدارة الحالية، مثل الإدارات السابقة، لا ترى تلك الحلقات باعتبارها صراعا مستمرا، واصفا ذلك بأنه نهج شريحة "السلامي".وأضاف فينوكين، الذي يعمل حاليا لدى مجموعة الأزمات الدولية، "انهم يصفون ذلك بأنه أعمال قتالية متقطعة"، وقارن ذلك بحرب الناقلات مع إيران في الثمانينيات، عندما كانت إدارة الرئيس رونالد ريغن في ذلك الوقت تعتبر "كل جولة من القتال حدثا منفردا".لكن خبراء يقولون إن وجهة النظر هذه لا تأخذ في الاعتبار أن الفصائل المسلحة المدعومة من إيران تشن حملة متواصلة ومتصاعدة على الوجود العسكري الأميركي في العراق.وحذر مايكل نايتس، من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، من أن استخدام الفصائل للطائرات المسيرة يزداد خطورة على ما يبدو، مع استخدام التوجيه بنظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس)، والاستهداف الدقيق لأصول الاستخبارات والاستطلاع والدفاعات الصاروخية لقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، متابعا: "تتزايد هجمات الفصائل العراقية على نقاط وجود التحالف في العراق كما ونوعا. ما لم تتم استعادة الردع، ستزداد احتمالات سقوط قتلى أميركيين".وأشار فيليب سميث، من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى كذلك، إلى أن الهدف الثانوي للفصائل، بعد هدف إخراج الولايات المتحدة من المنطقة، هو أن تظهر للولايات المتحدة وللحكومة العراقية وغيرهما مدى إجادتها لاستخدام الأسلحة الأكثر تطورا مثل الطائرات المسيرة الملغومة.ويعمل أعضاء بالكونغرس في الوقت الراهن على إلغاء بعض سلطات التفويض بالحرب التي استغلها رؤساء من الحزبين الجمهوري والديموقراطي في تبرير هجمات سابقة على العراق وسورية وغيرهما، لكن ذلك لن يمنع بالضرورة بايدن أو أي رئيس آخر من شن ضربات جوية دفاعية.وقال السيناتور ميرفي، بعد أن تلقي إفادة بشأن الأحداث من فريق بايدن للأمن القومي، إنه ما زال يشعر بالقلق، فالقوات الأميركية موجودة في العراق لقتال تنظيم داعش، وليس لقتال الفصائل المدعومة من إيران، "وإذا كان بايدن قلقا من الذهاب إلى الكونغرس للحصول على سلطات شن حرب، فربما ينبغي له عندئذ تهدئة شكوك الأميركيين بشأن التدخلات في الشرق الأوسط"، متابعا: "إذا واجه الكونغرس صعوبة في إجازة عمل عسكري ضد الفصائل المدعومة من إيران فسيرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى أن من نمثلهم لا يريدونه. وهذه هي الحلقة المفقودة في هذا النقاش".وشددت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي على أن الرئيس جو بايدن "يحتفظ بخيار الرد" عندما يكون هناك "تهديد" ضد المصالح الأميركية، مبينة أنه سيتخذ "التدابير اللازمة والملائمة للدفاع عن جنوده وشركائه وحلفائه في المنطقة"، معتبرة أن "إيران لا تزال لاعبا سيئا في المنطقة، ولا تراجع أبدا عن الإشارة إلى ذلك"، وأوضحت أن هدف الولايات المتحدة هو "خفض التصعيد" معها وبناء اتفاق نووي يتجاوز ما كان عليه في الماضي.واعتبر كبير الجمهوريين في لجنة القوات المسلحة بالمجلس جيمس أنهوف أن بايدن فعل الشيء الصحيح، وقرار القصف جاء متأخرا، لكنه يعكس الحاجة إلى التفويض باستخدام القوة لعام 2002، أو استبداله قبل النظر في إلغائه، لاسيما أن ميليشيات العراق تشكل تهديدا مستمرا على القوات الأميركية.