يوماً بعد يوم تظهر أبعاد دولية وإقليمية للأزمة اللبنانية، فعلى الرغم من الخلافات الداخلية والحسابات المصلحية بين القوى السياسية اللبنانية، لم يعد بالإمكان إغفال البعد الخارجي أو الاستراتيجي للصراع، الذي تحول إلى صراع حول الاتجاهات، منذ أن دعا الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الدولة اللبنانية إلى «التوجه شرقاً».

وتُحيل القوى اللبنانية المؤيدة لإيران الأزمات اللبنانية المتلاحقة، خصوصاً الأزمة المالية والاقتصادية التي أوصلت البلاد للحضيض، إلى «الحصار الأميركي والعقوبات وسياسة الضغوط القصوى الأميركية ضد إيران وحلفائها»، وهذا يعني أن هذه القوى تعتبر أن حل الأزمة لا يمكن أن يكون داخلياً.

Ad

في المقابل، يعتبر معارضو إيران أن السبب الأساسي وراء الانهيار هو سياسات حزب الله، التي أبعدت لبنان عن محيطه العربي.

وتلويح الحزب أخيراً باستيراد النفط الإيراني ينطوي على أكثر من التفاصيل التقنية أو الحاجات اليومية، ويندرج في خانة الذهاب إلى البعد الاستراتيجي للعبة، فإيران لديها هدف أساسي هو الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، وامتلاك القدرة على توريد النفط والغاز إلى أوروبا، ربما بعد رفع العقوبات الأميركية.

من ناحية أخرى، تأتي زيارة وفد من الشركات الروسية الاستثمارية، التي تُعنى بالبنى التحتية والمرافئ والنقل والطاقة، متناسبةً مع شعار نصرالله «التوجه شرقاً»، خصوصاً أن «حزب الله» يعتبر أن استقطاب روسيا إلى لبنان يشكل أحد عناصر التوازن مع الولايات المتحدة.

إن دخولاً روسياً جديداً للبنان ذا بعد استثماري لا بد له أن يتكامل مع الوجود الروسي في سورية. وقد جال وفد الشركات الروسية على المسؤولين اللبنانيين، للبحث في إعادة إعمار مرفأ بيروت وتوسيع مرفأ طرابلس، والعمل على إصلاح أو تأهيل مصافي النفط، خصوصاً أن شركة «روسنفت» الروسية فازت قبل ثلاث سنوات بمناقصة تأهيل مصفاة النفط في طرابلس شمال لبنان.

وأمس، أكد المدير العام لشركة الهندسة المائية والبناء الروسية، أندريه متسغر، أنه عرض على السلطات اللبنانية مشاريع تتعلق ببناء المرافئ وتطوير قطاع الطاقة، وفق نظام تمويل بنّاء خاص يقوم على مبدأ «نحن نبني وندير، ولاحقاً نسلّم».

على مستوى آخر، ما زال حزب الله قادراً على تطويع كل القوى، بما فيها حاكمية مصرف لبنان، للاستمرار في ضخ الدولارات في الأسواق لدعم المحروقات، على الرغم من تقليص نسبة هذا الدعم، لكن عندما يتجه المصرف المركزي إلى وقف هذه السياسة فإن الاتجاه نحو إيران سيتعمق أكثر فأكثر، خصوصاً أن الحزب يراهن على مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووي، ليرفع الحظر عن المنتجات الإيرانية، ويتمكن حينها لبنان من استيراد هذه المنتجات.

لذلك تحدث نصر الله، قبل أيام، عن استعداد شركات متعددة للمجيء إلى لبنان والاستثمار في قطاع الكهرباء والنفط على الساحل اللبناني، شمالاً وجنوباً، وزيارة الشركات الروسية تصب في هذا السياق. لكن ما لم يقله نصرالله صراحةً أن هناك كذلك استعداداً إيرانياً للاستثمار والوصول إلى المتوسط، خصوصاً في ظل المعلومات عن أن طهران لديها بالفعل مسودة جاهزة لمشروع الاستثمار في أنابيب النفط اللبنانية ومحطات التكرير الموجودة والمتوقفة عن العمل.

هذه الحركة، التي شهدها لبنان، أعادت طرح سؤال أساسي عن البعد الدولي والاستراتيجي للأزمة اللبنانية، خصوصاً من بوابة الصراع بين إيران وحلفائها من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى، لكن الثابت أن الطرفين لا يبدوان في حالة تدفعهما إلى استعجال حلّ لبناني، قبل التوصل إلى تسوية إقليمية دولية شاملة تنسحب على الملفات العالقة لبنانياً، وأهمها ترسيم الحدود البحرية والبرية الجنوبية والشرقية والشمالية، بالإضافة إلى إيجاد حلّ لمشكلة الصواريخ الدقيقة، التي بحوزة حزب الله، ومراقبة المطار والمرفأ.

هذه كلها ملفات تحتاج إلى وقت طويل لمعالجتها، ولا يمكن للبنان أن يصمد كل هذه المدة، مما يعني أن الانهيار سيكبر وسيكون أخطر.

منير الربيع