أين الأقليات إذا «تعصّبت» الأغلبية؟
أكبر مشكلة في العالم، أن تتحول الهند من دولة علمانية إلى «أمة هندوسية» وبالتالي يصبح 276 مليون مواطن أغلبهم من المسلمين من الدرجة الثانية، بحسب المحلل السياسي الأميركي «جوناه بلانك». فالأغلبية إذا سادت تتحول الأقليات إلى مجموعة مواطنين من الدرجتين الثانية أو الثالثة وهذه ليست حال الهند فقط بل حال معظم الدول التي تتبع هذه الصيغة، فالتراجع في الهند سببه تسيد «حزب بهاراتيا جاناتا» الحاكم المعروف بتعصبه والضامن لتفوق الأغلبية الهندوسية على غيرها من المجموعات والعرقيات.ليس في الأمر مبالغة، لكن قد لا تكون بالضرورة «أكبر مشكلة في العالم» إنما خطورتها تكمن في النتائج التي ستتمخض عنها، وهنا يطرح السؤال: ما نفع الديموقراطية إذا لم تحم وتصن الأقلية وتفسح المجال لتمثيلها من خلال المؤسسات الرسمية في الدولة كالحكومة أو المجلس التشريعي أو الوظائف القيادية؟ فإذا كان للأغلبية قرارها فللأقلية حقوقها، وهذا هو جوهر الديموقراطية، إن حكم الأكثرية يقوم في النهج الديموقراطي على احترام حقوق الأقلية لا سحقها.
إذا كانت هذه حال الهند، فما بالك بحال العراق مثلاً أو باكستان، أو إسرائيل، فهذه الدول الثلاث تتسيد فيها الأغلبية ذات العرق الواحد، وعلى حساب الأقليات الأخرى، الأقل عدداً والمختلفة عن الأكثرية بالدين أو بالعرق، صحيح أن «الثلثين» كما يقول الفقهاء القانونيون هو الميزان الحقيقي للأكثرية، لكن هذه القاعدة مشروطة بعدم إقصاء أو تهميش الأقلية خاصة أثناء عمليات التصويت على القوانين في المجالس النيابية وهو عمل مشروع ولا غبار عليه. في ديار العروبة، الحديث عن الديمقراطية أشبه بالتسلية لأن ديموقراطية الأكثرية الحاكمة والأقلية المعارضة لا تصلح إلا في المجتمعات التي تجري فيها الانتخابات على «أساس البرامج» التي يحاسب عليها من قبل الناخبين بالدرجة الأولى، نظراً لمستوى الوعي الذي وصل إليه الناخب والمواطن عندنا، وفي أغلبية البلدان العربية التي تضع لافتة الديموقراطية على بوابتها، حيث يجري التصويت على أسس طائفية أو قبلية أو عائلية. استوقفتني تغريدة الدكتور تركي الحمد وهو رجل الفكر المتزن والعميق يقول فيها ما معناه، إنه يفضل العيش تحت سقف «الدكتاتورية» بدلاً من العيش تحت سقف «ديموقراطية كسيحة»، وقد يكون محقاً في ذلك، فما يراه من ممارسات وأفعال مشوهه تجري في ظل دول ديموقراطية يدفع به إلى هذا القول، وهذا ليس تبريراً لموقفه، بل تعبيرا عن حالة يأس وإحباط من المستوى الذي وصلت إليه الديموقراطية في العالم العربي. وكما للأغلبية المتسلطة محاذيرها كذلك يصح القول بالأقلية ففي جنوب إفريقيا مارست الأقلية البيضاء من أصل أوروبي اضطهاداً جماعياً ضد أغلبية إفريقية من سكان البلد الأصليين، بقيت لعقود إلى أن توجت بانتصار مانديلا وإعادة صياغة نظام سياسي ديموقراطي يعكس التمثيل الحقيقي للسكان ويحفظ حقوق الأقلية البيضاء. هناك أقليات حكمت أنظمة تسلطية وتحت عناوين مختلفة، وبالمقابل نرى أغلبية يهودية سكانها عبارة عن تجميع جاؤوا إليها من عدة دول، أظهرت نظام تمييز عنصري صارخ، بتسيد المنتمين إلى الدين اليهودي ضد الأقلية العربية، وأوجدت تمييزاً طبقياً بين اليهود أنفسهم ومع العرب، بحيث أبقتهم مهمشين ومواطنين من الدرجتين الثالثة والرابعة. من الصعب أن تختار «الدكتاتورية» كنظام حكماً وتفضيله على «نظام ديموقراطي» لكن المقارنة هنا ظالمة، فأنت تضع المواطن أمام خيارات أحلاهما مر لأن الديموقراطية التي تعرضها عليه مزيفة، أخذوا منها الاسم وتركوا المضمون، ولذلك تسمع الحنين إلى الدكتاتورية، لأن المعاناة من الديموقراطية المشوهة وصل حد الكفر بها!