أملاك الدولة... أموال ضئيلة وفرص هزيلة!
● إيراداتها لا تدعم المالية العامة... وأنشطتها تضيّع وظائف لتشغيل العمالة الوطنية
● «عقود الباطن» تمثل إضراراً بمصلحة البلد والمستهلك والمستثمر الحقيقي
نبهت إجابة وزير المالية خليفة حمادة عن سؤال برلماني بشأن أملاك الدولة إلى خلل جوهري في تعامل المالية العامة مع الأصول العقارية التي تمتلكها الدولة، ولم تحقق من خلالها الفوائد المالية أو الاقتصادية المرجوة.فقد شملت إجابة الوزير عنصرين أساسيين؛ الأول يتعلق بإجمالي الإيرادات الناتجة عن إدارة أملاك الدولة الخاصة، واستغلالها خلال السنوات الخمس 2016/2015 - 2020/2019، بقيمة بلغت 432.5 مليون دينار، والثاني حديث الوزير ضمن الإجابة أن «أملاك الدولة لا تدار وفق أسعار السوق بهدف الربحية، بل بهدف تحقيق النفع العام».ومع تجاوز مسألة ضآلة العوائد المالية للخزينة العامة، التي يبلغ معدلها السنوي 86 مليون دينار، بما يعادل 0.04 بالمئة من إجمالي إيرادات أدنى ميزانية خلال السنوات الخمس الماضية، فإنّ حديث الوزير عن أن أملاك الدولة لا تدار وفق أسعار السوق، وإن كانت متضخمة، لا يعني أن تكون إيرادات الدولة منها بهذه الضآلة على الصعيد المالي.
أما على الصعيد الاقتصادي، فالعوائد من أراضي الدولة في توفير فرص عمل واستثمار للشباب الكويتيين تكاد تكون معدومة، لأنّ معظم الطلبات المتراكمة للشباب الكويتيين الذين يرغبون في التفرغ لمشاريعهم لدى الصندوق الوطني للمشاريع الصغيرة والمتوسطة أو لدى الهيئة العامة للصناعة تتعلّق بطلب الحصول على أرض لإقامة المشروع وليس التمويل فقط، إذ من المعلوم أن أيّ مستثمر يريد إقامة مشروعه سيستنزف نحو ثلث رأسماله في سداد الإيجارات، مما يعرقل فئة كبيرة منهم عن المبادرة، وبالتالي يفقد الاقتصاد الكويتي جانبا مهما من فرصة تعديل اختلال سوق العمل بسبب احتكار أراضي الدولة وما يترتب عليه من ارتفاع حاد في الأسعار.
عقود الباطن
ولعل في حديث وزير المالية بشأن سعي الوزارة لتعظيم إيرادات الدولة بآلية لا تؤدي إلى رفع الأسعار على المواطنين عند طرح أراضي الدولة على المستثمرين أو تجديد عقودهم، بعض القصور، لأنّ إحدى أهم مشكلات التعامل مع أراضي أملاك الدولة في الكويت أنها مرتبطة بتجارة مربحة غير رسمية معروفة بـ «عقود الباطن»، أي سلسلة العقود الإيجارية غير المباشرة بين المالك أو مطور المشروع مع المشغل الفعلي، الأمر الذي يترتب عليه كلفة غير مبررة على الإيجارات تنعكس مباشرة على الأسعار، وبالتالي تضرّ المستهلكين، كما أنها تضرّ الدولة كمحصل لقيمة متدنية جداً من الإيجار؛ يمكن أن ترفعها بشكل معقول لو كان تعاملها المالي فعلاً مع المشغل النهائي، وهذا تشوّه لافت في مسألة التعامل مع أملاك الدولة، وينبغي معالجته، لأنه يمثّل انحرافاً في جهود مكافحة الاحتكار، فضلا عن انعكاسه سلباً على العديد من الفرص الاستثمارية التي من المفترض توفيرها للشباب الكويتيين.والأهم من ذلك أن هذه السلسلة من عقود الباطن التي تنتشر في مختلف المناطق الصناعية وعلى أراضي أملاك الدولة هي من يتسبب في رفع مستوى أسعار السلع والخدمات على المستهلك، وليس كما ورد في إجابة الوزير من أن رفع رسوم أملاك الدولة سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار في السوق لو التزمت الدولة بتطبيق العقود كما وردت في الاتفاق، وهي إما بصيغة «الدولة الى مشغل مباشر»، أو «الدولة الى مطور الى مشغل مباشر»، دون أن تمرّ العقود بتلك السلسلة من عقود الباطن الضارة بحقوق الدولة والمشغل الحقيقي والمستهلكين.مشكل لا حل
تحوّلت أراضي أملاك الدولة الى جزء من المشكلة لا الحل، ولم تعد، كما أوضح الوزير في إجابته البرلمانية، تهدف إلى تحقيق النفع العام، خصوصا بعد أن باتت قيمة الأرض توازي أكثر من نصف قيمة أي مشروع، وتستهلك ما لا يقل عن ثلث مصاريف التشغيل، إضافة إلى أن إجراءات الحصول عليها تمرّ بسلسلة من الإجراءات البيروقراطية المعقّدة، فضلاً عن المحسوبيات.وحتى فكرة تقديم الأرض للمستثمر مقابل إيجار رمزي تبدو بدائية ليس لها، إلى حد ما، عوائد مالية مجزية ولا اقتصادية نافعة، وربما كان دخول الدولة شريكاً في ملكية بعض المشاريع التي تدعمها عبر تأجير الأراضي بأسعار زهيدة، فضلاً عن الدعومات المختلفة الأخرى كالكهرباء والماء من الخيارات التي يمكن أن تعزز الإيراد المالي للدولة، خصوصا في ظل غياب الضريبة على مختلف الأنشطة التجارية، أو أن يتم التركيز على الفائدة الاقتصادية عبر إلزام المستفيدين من أملاك الدولة برفع نسبة تشغيل العمالة الوطنية لديها، أو تقديم قيمة مضافة للاقتصاد عبر جلب التكنولوجيا، مثلاً، للبلاد، أو تقديم خدمات يحتاج إليها السوق والمجتمع، مثل الصناعات الطبية أو الغذائية وغيرهما.تفريط في الفرص
إن آلية تعامل وزارة المالية مع أملاك الدولة، كما وردت في إجابة وزيرها، تبيّن مدى التفريط بفرص تحقيق أي منفعة مالية او اقتصادية من أصول تعتبر مدخلا لثراء العديد من المستفيدين منها، فمن الناحية المالية، فإن تحصيل ما معدله 86 مليون دينار في السنة الواحدة يعني تهاونا واضحا في تنمية بند الإيرادات غير النفطية التي تشكو وزارة المالية نفسها - في كل بيان سنوي عن الميزانية العامة للدولة - من ضآلته وعدم تجاوزه في الحساب الختامي لـ 10 بالمئة من إجمالي الإيرادات.أما من الناحية الاقتصادية، فإن التعامل الحكومي مع أملاك الدولة يضيّع فرص عمل وتشغيل للشباب الكويتيين عبر المشروعات الصغيرة والمتوسطة، في وقت تشكو جميع البيانات الاقتصادية الحكومية من ارتفاع تكاليف ما يعرف بـ «الرواتب وما في حكمها» الى 52 في المئة من مصروفات الميزانية، وهذا سلوك غير مستغرب بأن تشكو الحكومة من أرقام أو نسب تضغط على الاقتصاد الكويتي، ثم تتخذ سياسات تعزز من عمق اختلالات هذه النسب، كما حدث قبل فترة وجيزة من خلال رفع مصروفات الميزانية لتمويل مصروفات غير ضرورية، أو غير مدققة، كتكلفة تأجيل أقساط البنوك لمدة 6 أشهر، أو مصروفات ما يعرف بـ «الصفوف الأمامية».محمد البغلي
شكوى الحكومة جراء أرقام أو نسب تضغط على الاقتصاد ثم اتخاذها سياسات تعزّز عمق الاختلالات باتا سلوكاً مكرراً
قيمة الأرض في الكويت توازي أكثر من نصف رأسمال أي مشروع وتستهلك ما لا يقل عن ثلث مصاريف التشغيل
قيمة الأرض في الكويت توازي أكثر من نصف رأسمال أي مشروع وتستهلك ما لا يقل عن ثلث مصاريف التشغيل