بقايا خيال: من الذي يعمل في النفط؟
في سبعينيات القرن المنصرم أضرب طيارو الخطوط السنغافورية عن العمل للضغط على حكومتهم لزيادة رواتبهم، مما تسبب بخسائر فادحة للطيران السنغافوري ولاقتصاد الدولة بأكملها، فتوجه رئيس الوزراء السنغافوري آنذاك (لي كوان يو) شخصياً لمقابلة المضربين، وقال لهم: أعطيكم أحد خيارين، إما إيقاف ممارسات الترهيب والتخويف، الذي ساهم بإسقاط الخطوط السنغافورية وتعطيل خدماتها وإلحاق الضرر بمصالحها وتبديد ملايين الدولارات خلال أسبوعين، أو الاستمرار بإضرابكم هذا، وأحذركم، إما أن تتوقفوا عن الإضراب وتعودوا إلى وظائفكم ثم تدافعوا عن قضيتكم، وإلا فإنني سأستخدم كل الوسائل المتاحة لتلقينكم درساً لن تنسوه، وأنا مستعد لأبدأ بتأسيس خطوط طيران جديدة من الصفر. استغرق الأمر 65 دقيقة فقط ليكتشف الطيارون أن الإضراب سيتسبب في خسارتهم، لأن "لي كوان يو" جاد في قراراته ومستعد لإعادة بناء الخطوط السنغافورية من جديد، ويدركون تماماً أنه قادر على فعل ذلك بدون المضربين. يقول لي كوان يو عبر مقطع فيديو: "أيا كان رئيس حكومة سنغافورة، من الأجدر أن يمتلك قبضة حديدية أو ليترك المنصب، هذه ليست لعبة الورق، هذا الأمر مرتبط بحياتي وحياة شعب بأكمله، قضيت عمري كله أبني هذا البلد، وطالما كنت مسؤولاً لن أسمح لأحد بتدميره". قبل عشر سنوات أضرب موظفو شركات نفط كويتية ليومين فقط، لترضخ حكومة سمو الشيح ناصر المحمد لكامل مطالبهم، فتضاعفت رواتب القطاع النفطي أكثر مما يستحق غالبيتهم مقارنة بإنتاجيتهم اليومية، ومنذ تلك الزيادة "الغبية" والموازنة العامة للدولة تعاني هدر "البطرانين" وعجزا لم يكن ليحدث لولا إدارة حكومية غير حكيمة لمقدرات البلد.
المهندس (ق. ف.) مدير كويتي متقاعد من شركة نفطية، وعبر مقطع فيديو انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي قبل بضعة شهور يقول: لكي تعرف حجم الهدر الحاصل في المال العام، لدى قطاع النفط فئتان، فئة الموظفين وفئة المقاولين، ومقاولو القطاع النفطي يقومون بإنجاز أعمال ومهام كل موظفي النفط اليومية. وبمعنى آخر في شركات النفط، لا يوجد موظف واحد "يشتغل إنجنيرنغ"، لأن مهام الـ"إنجنيرنغ" كلها يقوم بها المقاول، فدور الموظف المدير أو ما يطلق عليه في شركات النفط الكويتية "سوبر إنتندنت" أو (Super Intendent)، ومعه كبير مهندسي المشروع بمسمى "سينيور إنجنير" أو (Senior Engeneer)، مهمتهما مراقبة العقد الموقع مع المقاول والتوقيع على المراسلات المتبادلة بينهما، فيوقعان له بالموافقة أو الرفض. فمهندسو النفط لا يمارسون العمل الهندسي المرتبط بالنفط، وإذا مارسوا هذا العمل فإنه لا يتجاوز الـ 50% من "الإنجنيرنغ"، لأن الموظفين يعتمدون على المقاول في إنجاز أعمالهم اليومية، وهناك كادر كامل من موظفي الصيانة مهمتهم الأساسية الإشراف على أداء المقاول فقط، ولا ينجزون أي شيء آخر، وهذا يعني أن حجم الإنفاق مضاعف وميزانية شركات النفط مضاعفة لأنها تدفع للموظفين وللمقاولين الذين يؤدون مهام الموظفين. ويقول هذا المهندس المتقاعد إن هناك شركة نفطية جديدة لديها ثلاثة مشاريع (مشروع رصيف ومصفاة واستيراد الغاز) هذا عدا مشروع "البتروكيميكال"، الجاري تنفيذه، فمشروع الرصيف تم إنجازه للتو، ولأول مرة يجري إعداد عقد تشغيل (Operation) لاستيراد الغاز، وهذا يعني أنه حتى عملية التشغيل أو الـ(Operation)، "ربعنا ما يبون يسوونه"، فيلقى على كاهل المقاولين لإنجازه كله، والغريب أن الأسلوب نفسه في العمل يتكرر في أغلب وزارات الدولة التي يتكدس فيها موظفون متكاسلون يريدون من المقاولين أن يؤدوا وظائفهم، ليكون الإنفاق مضاعفاً، ولو انتبهت الدولة إلى هذا الجانب لاستطاعت أن توفر في الميزانية ما يفوق الـ 10%.