في ظلال الدستور: مقال بلا عنوان لمن لا يقرأ إلا العنوان
وهذا المقال أيضاً لمن يحرفون الكلم عن مواضعه في كل ما أكتب من مقالات ودراسات فأخرجوها من سياقها، وحذفوا ما لا يُرضي هواهم السياسي أو ما لا يُشبع نهمهم في عداء الآخر، بل بالغوا، ولم يتقوا الله فيما ينقلونه عني، وما أنا إلا بشر يخطئ ويصيب، وقد سبقهم من حرّف كلام المولى عز وجل، وله الكمال وحده، وأخرجوا الآية الكريمة "لا تقربوا الصلاة" من سياقها بعد أن قطعوا أوصالها وبتروا خاتمتها "وأنتم سكارى".عنوان واضح جلي
وقد كان عنوان مقالي الأحد الماضي "احتلال مقاعد الوزراء وحقوق عضويتهم المصونة برلمانيا وقضائيا" واضحاً في عباراته جليا في معناه، وقد استهللته بحدث جلل هو احتلال بعض النواب لمقاعد الوزراء، باعتباره انتهاكا لحقهم في حضور اجتماعات المجلس، وهي أبسط حقوق عضويتهم فيه التي صانها الدستور برلمانيا وقضائيا في المادتين (110) و(111).فلم يكن للمقال أو عنوانه أدنى ارتباط بالمسؤولية السياسية للوزراء، أو بمساءلتهم سياسيا، وهما جوهر الحكم الديمقراطي ولحمته وسداه، وقد حرّف البعض مقالي السابق للافتراء عليّ بأنني حصنت الوزراء من المساءلة السياسية.لماذا يخافون الحقيقة؟سؤال أوجهه لمن يحرفون الكلام عن مواضعه، فيما كتبت في هذا المقال، من حقائق دستورية وأولها، أن الوزراء أعضاء في مجلس الأمة بحكم وظائفهم إعمالا للمادة (80) من الدستور، وأنهم يتمتعون، بصفتهم أعضاء في المجلس، بما يتمتع به الأعضاء المنتخبون من حقوق، إلا ما استُثني بنص صريح، كنص المادة (101) التي قضت بعدم اشتراك الوزراء في التصويت على الثقة، ومنهم من اعتبر كشف الحقيقة، ورفع الستار عنها انتقاما من الذين انتقدوني، فإن كان هذا رأيهم وأن قول الحقيقة هو انتقام فلهم دينهم ولي ديني. فأنا منذ صباي لا أخشى في الحقيقة لومة لائم، وهكذا بنيت موضوعيتي فيما كنت أكتب، وأنا ما زلت على هذا الصراط لا أحيد عنه أبداً ولا أبغي عنه حولاً، ولكن مع تقدم العمر يزداد الإنسان حكنة وتبصراً.وأشكر الدكتور فيصل الكندري عميد كلية القانون الدولية الذي أحمل له كل التقدير لمكانته العلمية وكل المحبة في قلبي، وقد وصف آرائي فيما كنت أكتب بأنها تتميز بالموضوعية، خاصة في العلاقة بين السلطات الثلاث، ثم أنهى تغريدته بقوله، وأنقل كلامه بالحرف الواحد: "أرجو من السيد المستشار الذي أكنّ له كامل الاحترام والتقدير بعلمه وخبرته وقدرته على الكتابة والتحليل أن يعود إلى سابق عهده"، وذلك بعد أن وصف مقالاتي الأخيرة بالانتقامية.وأطمئن الصديق العزيز والزميل الفاضل د. فيصل الكندري بأنني الآن أصبحت أكثر موضوعية، بعد أن خلعت عباءة الوظيفة العامة، وتخلصت من قيودها في الخشية من أن أسبب لمسؤول أعمل معه حرجاً فيما أكتب فيسيء القراء الظن به وبي.أما إن كان الدكتور يقصد تغريدة د. عبدالكريم الكندري بأنني شرعنت المخالفات الدستورية فقد كتبت إليه على صفحات "الجريدة" خطاباً مفتوحاً، قلت له في نهايته ما قاله الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان من أن "علمنا هذا رأي فمن جاءنا يخير منه قبلناه". وإنني في انتظار رده أو نقده العلمي لما كتبته لأنني لم أتلق منه رداً أو نقداً حتى الآن.التجربة الديموقراطية في خطرأقولها بموضوعية لا أحيد عنها أبداً، وقد وهبني الله نعمة البحث عن الحقيقة في عملي الذي أمارسه منذ أكثر من ستين عاماً، كما وهبني، سبحانه، القدرة على احتمال المشقة والعناء في هذا البحث، حتى وأنا في آخر العمر وقد وهن العظم واعتلّت الصحة، متجرداً من الأهواء التي تعبث ببعض النفوس، لا أبغي من الدنيا أجراً، بل هي تجارة مع الله، يقول سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) "إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها"، فإن أصبت فلي ثواب أجرين، عند المولى عز وجل، وإن أخفقت فلي أجر واحد هو أجر الاجتهاد، والكمال لله وحده جلّت قدرته وعلت عظمته.وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.