حسابات إيران توقد أنوار بغداد وتطفئها
• أطراف تتربص بالكاظمي لتأجيج الشارع
• انهيار الشبكات ورقة ضغط في ملفات حرجة
لم يكذّب جنوب العراق توقعات مراكز الأبحاث الدولية، التي تقدم استشارات حول مخاطر الصيف في هذه البلاد، حيث اندلعت احتجاجات عنيفة في كبريات المدن، وخصوصاً المنتجة للغاز والنفط، بعد انهيار في إمدادات الكهرباء، إثر وصول درجات الحرارة المعتادة إلى مستوى الغليان، وعدم انقطاع السجال السياسي حول إخفاق الحكومات المتعاقبة في حل أزمة سوق كبير مثل العراق بأربعين مليون نسمة، يشهد ازدهاراً في أرباح عمالقة البترول الدوليين، ويخفق في تأمين الطاقة لسكانه!وتبدو الاحتجاجات خطيرة أكثر من كل مرة، لأن أطرافاً متعددة تتربص لاستغلالها ضد حكومة مصطفى الكاظمي، الذي يدخل مواجهة استثنائية مع الفصائل الحليفة لطهران، وتحاول الأخيرة الاستفادة من الإحباط الشعبي في تأليب الرأي العام ضده، وربما التدخل ميدانياً لإشعال الاحتجاج وتأجيجه.لكن المفارقة تبدو أكبر حين تتحمل إيران فعلياً مسؤولية العجز عن إنتاج الكهرباء العراقية، إذ تزود طهران نحو نصف محطات الطاقة في العراق بالغاز، بينما تنقطع إمدادات غازها بين الحين والآخر، مسبِّبةً انهيار شبكات التوليد والتوزيع، الأمر الذي يعده المراقبون ورقة بيد الجمهورية الإسلامية تضغط بها على حكومة الكاظمي في ملفات سياسية واقتصادية غاية في الحرج المحلي والدولي.
وتقول وزارة الطاقة الإيرانية إن بغداد لديها مال كافٍ لتسديد ديون الغاز، لكنها تتلكأ، وترد بغداد بأنها مقيدة بالعقوبات الأميركية، التي تحدد وتقنن أشكال التسديد ودفعاته، والنتيجة انهيار في إنتاج كهرباء العراق يربو على النصف، وصراع سياسي داخلي حول من أدخل ملف الطاقة العراقي في متاهة العقوبات الدولية على إيران. وأنفق العراق، خلال السنوات العشر الأخيرة، مبالغ طائلة على محطات كهرباء عملاقة، لكنها غازية ولن يتوفر وقودها محلياً إلا بعد نحو عامين، مع إهمال طويل لحقول الغاز العراقية، وكان البديل هو الارتباط بعقود إمداد مع إيران، رغم وجود بدائل عدة في منطقة الخليج الغنية بالغاز.ويُحمِّل ساسة ومشرعون حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي خطأ اعتماد الغاز الإيراني بشكل يرهن نصف إنتاج العراق من الكهرباء بقرارات طهران، ويتهمون المالكي بأنه جامل الإيرانيين لحسابات سياسية نتيجتها انهيار قطاع الطاقة، حتى في الشتاء، وطبقاً لحسابات متغيرة في الجمهورية الإسلامية.لكن الصالونات السياسية في بغداد تقول إن الأمر أصبح أكثر خطورة، بعد تصاعد المواجهة بين الفصائل المسلحة الموالية لطهران وحكومة الكاظمي، واقتراب انتخابات الخريف المقبل، وسط عدم اليقين في مفاوضات فيينا بين إيران والغرب، محذّرين من أن غضب الجمهور خلال شهري يوليو وأغسطس المقبلين على انقطاع إمدادات الكهرباء، قد يكون ورقة حاسمة بيد الإيرانيين، الذين بيدهم إضاءة أنوار بغداد وإطفاؤها.