في وقت تحبس منطقة شرق إفريقيا أنفاسها مع تأزّم ملف سد النهضة الإثيوبي، كثفت إثيوبيا مساعيها لاستمالة السودان، في وقت جدد جيشها استعداده لحماية السد غداة رسائل مبطّنة تلقاها من الجيش المصري خلال افتتاح "قاعدة 3 يوليو" وإعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن "التفاوض لا يمكن أن يستمر الى ما لا نهاية". وحذّر السفير الإثيوبي لدى الخرطوم، بيتال أميرو، خلال ندوة صحافية عقدها أمس، من تسييس ملف السد، وشدد على أن أديس أبابا لا تنوي إلحاق أي أذى بالسودان من خلال هذه المشروع، وتابع: "نعتبر السودان جزءًا منّا ونحن أيضا جزء منه، ولذلك لا نريد اتخاذ أي خطوة تؤذي السودان، لأنها ستكون بمنزلة إيذائنا لأنفسنا".
وذهب السفير الإثيوبي إلى أن سد النهضة كله فوائد للجانب السوداني، وأنه بدأ كقضية تنموية، لكن تم تحويله لاحقا إلى قضية سياسية، وجدد رفض بلاده لإحالة هذا الملف إلى مجلس الأمن الدولي، كاشفا أن بلاده لا تستطيع إيقاف ملء السد من الناحية التقنية، وقائلا: "السودان ومصر يقدّمان لنا طلبا لا يمكن تنفيذه، لأنّ المياه ستحتجز تلقائيا وهم يعلمون ذلك".في المقابل، أعلن وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي، سيليشي بيكيلي، أن بلاده تواصل أعمال بناء سد النهضة على النيل الأزرق، حسب الخطط المطروحة، رغم التوترات المتصاعدة حوله، وأشار في تغريدة له عبر حسابه على "تويتر" أمس، إلى أن وزارته والشركة الإثيوبية للطاقة الكهربائية أجرتا تقييما لموقع السد، وأن أعمال البناء تجري وفقا للجداول المطروحة، وحسب ما كان مخططًا.بدوره، قال القائد العسكري بمنطقة متكل التي يقام عليها سد النهضة، أسرات دينيرو، إن القوات الإثيوبية في حالة تأهب قصوى لاستكمال المرحلة الثانية لتعبئة السد، وأضاف خلال اجتماع مع أفراد القوات المسلحة بالمنطقة، أن الشعب الإثيوبي يراقب عن كثب مراحل بناء السد، وينتظر استكماله بالسرعة القصوى دون عوائق، وأن ذلك يدعو إلى تعزيز مهمة الجيش لضمان أمن المنطقة وسلامتها.من ناحيته، بدأ وزير الخارجية المصري سامح شكري، أمس، زيارة مدينة نيويورك الأميركية، في إطار التحضير للجلسة المقرر عقدها لمجلس الأمن بالأمم المتحدة لتناول قضية السد الخميس المقبل، بناء على طلبين من مصر والسودان، في خطوة تأتي بعد تعثّر مسار التفاوض الذي يشرف عليه الاتحاد الإفريقي منذ أكثر من سنة.وقال المتحدث باسم "الخارجية" المصرية، أحمد حافظ، إنه من المقرر أن يعقد الوزير شكري سلسلة من اللقاءات والاجتماعات المكثفة بعدد من نظرائه الوزراء، والمندوبين الدائمين للدول الأعضاء بمجلس الأمن، والمسؤولين بالأمم المتحدة، استباقا لجلسة مجلس الأمن بشأن سد النهضة.وأكد حافظ أن لقاءات شكري في نيويورك تهدف إلى إعادة تأكيد الموقف المصري الثابت، تجاه قضية السد، القائم على ضرورة التوصل إلى اتفاق قانون ملزم حول ملء وتشغيل سد النهضة، يراعي مصالح الدول الثلاث، ويحفظ حقوق مصر ومصالحها المائية.وتعلّق مصر آمالا عريضة على جلسة مجلس الأمن، للحصول على اعتراف دولي بالأزمة والمخاطر التي يسببها السد لمصر والسودان، لكنّ وزير الخارجية المصري، أقر بصعوبة الأمر، إذ قال في تصريحات له، مساء أمس الأول، إن "مخرجات جلسة مجلس الأمن الخميس المقبل، سترتبط بالعلاقات والتنسيق مع الدول الأعضاء".وقال شكري إن بلاده ليست متفاجئة من موقف مجلس الأمن، في أول ردّ رسمي على تصريحات رئيس مجلس الأمن الحالي، الفرنسي نيكولا دو ريفيير، الذي قال الخميس الماضي، إنه لن يكون بمقدور المجلس حلّ الخلاف بشأن سد النهضة، ودعا الدول الثلاث إلى العودة للتفاوض، ورد شكري على هذا التصريح قائلا إنها تعبّر عن موقف المندوب الفرنسي، ولم تأخذ في الاعتبار التنسيق الكامل مع فرنسا.وعبّر وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر علام، عن تشاؤمه بعد تصريحات رئيس مجلس الأمن، قائلا لـ "الجريدة": "تصريحات رئيس المجلس غير مفهومة ولا مبررة، وتكشف صعوبة إصدار قرار من المجلس، بما يعني موافقة جميع الدول الأعضاء، لذا أعتقد أن التحرك المصري - السوداني يستهدف استصدار توصيات من المجلس بدور أكبر للوساطة الدولية".
متمردو تيغراي يوافقون بتحفظ على وقف النار
أعلن المتمردون في تيغراي أمس، القبول بـ«وقف إطلاق نار مبدئي» في الإقليم الذي استعادوا السيطرة على أجزاء كبيرة فيه وسط تراجع الجيش الإثيوبي، لكنهم طالبوا بشروط قد تصعّب التوصل إلى اتفاق نهائي. وبرزت من بين الشروط انسحاب القوات الإريترية من الإقليم الإثيوبي الشمالي، كذلك القوات الآتية من إقليم أمهرة المجاور بعد انتشارهما فيه دعماً للجيش الإثيوبي في عمليته العسكرية على السلطات التي كانت قائمة فيها، كما طالبوا بإعادة تلك السلطات.وكان رئيس الوزراء أبيي أحمد الحائز جائزة نوبل للسلام عام 2019 أرسل الجيش الفدرالي إلى تيغراي في نوفمبر الماضي لاعتقال ونزع سلاح قادة حزب «جبهة تحرير شعب تيغراي» الحاكم في الإقليم آنذاك.وأعلن أبيي النصر بعد أسابيع بعدما استولت القوات الفدرالية على العاصمة ميكيلي. ولكن بعد شهور من إعادة تجميع صفوفهم، شن متمردو تيغراي هجوماً مضاداً واسع النطاق الشهر الماضي سمح لهم باستعادة المدينة وتأكيد سيطرتهم على معظم الإقليم. على الأثر، أعلنت الحكومة وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد وصفته «قوات دفاع تيغراي» بأنه «مزحة». وقال بيان موقّع من «حكومة تيغراي» أمس، «نوافق على وقف إطلاق نار مبدئي بشرط حصولنا على ضمانة موثوقة بعدم المساس بأمن شعبنا».وأضاف: «رغم ذلك وقبل إضفاء طابع رسمي على اتفاق لوقف إطلاق النار، يتوجب حل المسائل الشائكة».وكانت بعض الشروط الواردة في البيان عسكرية الطابع فيما أخرى سياسية، على غرار عودة قوات أمهرة والقوات الإريترية إلى «مواقعها حيث كانت قبل الحرب» واستئناف عمل «حكومة تيغراي المنتخبة ديمقراطياً، وإعادة كافة صلاحياتها ومسؤولياتها الدستورية».وترفض أديس أبابا أيّ حوار مع قادة «جبهة تحرير شعب تيغراي» التي صنّفها البرلمان الإثيوبي «منظمة إرهابية» في مايو.كما طالبت «الجبهة» بـ»إجراءات كفيلة بمساءلة أبيي أحمد و(الرئيس الإريتري) أسياس أفورقي بشأن الأضرار التي تسببا بها»، إضافة إلى تشكيل الأمم المتحدة «هيئة تقصي حقائق مستقلة» حول «الجرائم المريعة» التي ارتكبت خلال النزاع.ووردت كذلك شروط ذات طابع إنساني على غرار «توزيع المساعدات الإنسانية بلا عراقيل، من جميع الجهات وبكافة وسائل النقل» و»عودة سكان تيغراي» النازحين. وحذّرت الأمم المتحدة قبل أيام بأنّ أكثر من 400 ألف شخص «يعانون المجاعة» في الإقليم، منبهة إلى أنّ 1.8 مليون شخص آخرين يقفون «عند حافة المجاعة».