أثارت نسبة النجاح العامة التي أعلنتها وزارة التربية لطلبة الشهادة الثانوية، والتي بلغت 91 في المئة من عدد الطلبة المتقدمين للاختبارات مواقف انتقادية لدى عدد من التربويين والأكاديميين، الذين طرحوا تساؤلات حول مدى صحة هذه النتائج، وانسجامها مع مؤهلات النجاح الفعلية لدى الطلبة الذين حصل القسم الأكبر منهم على معدلات عالية تؤهلهم للتسجيل في كليات وتخصصات تتطلب معدلات مرتفعة.ويعتبر بعض الأكاديميين أن معدلات النجاح تنطوي على "تفوق وهمي" من شأنه أن يؤثر على أداء "كليات المعدلات المرتفعة" (كالطب وغيرها)، ويشكل لها ضغطا، إضافة إلى الضغط الذي ستشكله هذه الظاهرة على البعثات الداخلية والخارجية، وهو ما حذر منه أكاديميون ومتخصصون منذ سنوات، مشددين على أن الظاهرة أرهقت ميزانية الدولة، بدليل تعثر عدد كبير من الطلبة المبتعثين الذين لم يستكملوا دراستهم في عدد من الجامعات نتيجة ضعف مستواهم التعليمي.
تضرر الكليات العلمية
وفي مقاربته لنتائج الامتحانات، أكد وزير التربية وزير التعليم العالي الأسبق وأستاذ الاجتماع بجامعة الكويت، د. بدر العيسى، أن الجامعة لا يوجد فيها مشكلة في السعة المكانية بالنسبة لعملية قبول أعداد الطلبة خريجي الثانوية، موضحا انه بعد انتقال كليات الجامعة إلى المباني الجديدة في مدينة صباح السالم الجامعية ستكون السعة المكانية 50 طالبا بالقاعة الدراسية الواحدة.وأوضح د. العيسى، في تصريح لـ"الجريدة"، ان أكثر المتضررين من مخرجات التعليم عن بعد الكليات العلمية، التي تتطلب دراسة وتطبيقا في المختبرات، وأيضا الكلية التي تكون الدراسة فيها باللغة الإنكليزية، لافتا إلى أن هناك مشكلة أيضاً تكمن في قلة التفاعل بين الطالب والأستاذ في ظل التعليم عن بعد. وبين أنه من المتوقع أن تزيد نسبة التعثر الدراسي في الجامعة، موضحا أن مستوى مخرجات الثانوية متدن، وسيواجه الطلبة صعوبة خاصة في البعثات والكليات الإنكليزية.بدوره، قال المدير العام للمركز الوطني لتطوير التعليم الأسبق، د. رضا الخياط، إن نتائج الطلبة في عام 2016/ 2017 كانت 80 بالمئة للقسم العلمي و75 للأدبي، والآن نجدها تجاوزت الـ 91 بالمئة، وهذه الظاهرة تثير تساؤلات منطقية، وفي محلها، وللإجابة عن هذه التساؤلات هناك طريقتان؛ الأولى يمكن أن نسمّيها العشوائية وغير العلمية، والطريقة التي أفضّلها وهي الأصح الطريقة العلمية المبنية على دراسة بحثية يقوم بها متخصصون، ويتم الاستعانة بأكاديميين متخصصين أيضا من جامعة الكويت لعمل دراسة علمية على هذه النتائج، وتحديد مدى واقعيّتها، وطرق المعالجة الصحيحة.وأضاف الخياط لـ "الجريدة" أن الطرق العلمية في البحث تقوم على النظر إلى نظام وضع الاختبارات وتحديد العوامل المؤثرة عليها وأداء الطلاب في هذه الاختبارات ومدى استعدادهم، وهل كانت الأسئلة تعكس واقع المناهج وطرق التدريس والمتغيرات التي أثّرت على الطلاب، لأن هذه العوامل العلمية هي التي تحدد مدى جودة الاختبارات وملاءمتها للواقع التعليمي.وأشار إلى أن وزارة التربية مدعوة إلى الاستعانة بمتخصصين من جامعة الكويت وغيرها لعمل دراسة علمية دقيقة لنتائج الثانوية والاختبارات التي تمت لتحديد مكامن الخلل ومعالجتها بطرق علمية، وبناء على نتائج هذه الدراسة العلمية يتم وضع قرارات لتطوير وضع الاختبارات وبناء نظام تعليمي متطور يراعي كل الجوانب التي يمرّ بها الطلاب، لافتا إلى أن الانطباع الأوّلي لنتائج الثانوية في السنوات الأخيرة يطرح علامات استفهام كبيرة.وفيما يخص ممارسة التربية للرقابة اللازمة خلال الاختبارات، أكد الخياط أنه يعتقد أن الرقابة موجودة، وهناك تنسيق بين الجهات المعنية بالتربية في هذا الشأن، مضيفا "وأظن أن الرقابة كانت مناسبة".وذكر أن المركز الوطني لتطوير التعليم قام، خلال الفترة التي عمل بها مديرا للمركز، بوضع المدخل المتكامل لتطوير التعليم في الكويت، والذي حدد له عام 2015/ 2016 لتظهر نتائجه، حيث تمت الموافقة عليه والبدء بتطبيقه، إلّا أن التطبيق لم يكن بالشكل المطلوب، لافتا إلى أن التطوير يتطلب التركيز على كامل مكونات المنظومة التعليمية من مناهج وإدارات مدرسية ومعلم وطرق تدريس، ومضيفا: "لكن بكل أسف لم يطبق هذ المدخل للتطوير بالشكل الذي رسمناه".الطلبة ضحايا
من جانبه، أكد الوكيل المساعد السابق بوزارة التربية، د. خالد الرشيد، أن الطلبة باتوا ضحايا تبعات جائحة "كورونا"، لافتا الى أن طريقة معالجة وزارة التربية للأزمة خلال الجائحة افتقرت لفريق متخصص في إدارة الأزمات وقت وقوعها، مما تسبب في تفاقم الأزمة بالنسبة للطلبة والتحصيل التعليمي. وقال الرشيد لـ "الجريدة": لقد حذّرنا مرارا من تركيز واهتمام أصحاب القرار في وزارة التربية على الاختبارات النهائية في أنها ورقيّة من عدمه، على اعتبار أنها سبيل الإصلاح وتعديل المسار الوحيد دون التطرق لأيّ أمر آخر، لافتا الى أن الفكر التقليدي كان أقوى في توجيه القرار التربوي. وأشار الى أن التركيز على آلية التقييم دون النظر الى تطوير آليات وطرق التدريس وتطويرها لتتلاءم مع مستجدات الواقع التربوي والتعليمي العالمي سبب من أسباب وجود أزمة سنوية بشأن نتائج الثانوية العامة. وأضاف الرشيد: أعتقد أن نتائج الثانوية العامة والنسب المرتفعة للطلبة كانت صادمة، بالرغم من كل المحاولات لإظهار العكس، مشددا على أن القرار التربوي يجب ألّا يخضع للمساومات. واستطرد قائلا: إن لم نُخرج القرار التربوي من الفخ الذي وقع فيه، فلا تغيير ولا تطوير، وستستمر موازنات المصالح على حساب التعليم الذي هو عصب التنمية البشرية في أي بلد.نسب النجاح في بعض الدول العربية
• تونس 44%• الجزائر 55%• المغرب 74%• قطر 85%• البحرين 98%
مراجعة إحصائية
وفي مراجعة إحصائية لمعدلات النجاح التي اعتمدتها وزارة التربية لشهادة الثانوية العامة خلال السنوات الخمس الماضية، يتضح أن نسبة النجاح العامة في العام الدراسي 20217-2016 بلغت 78.13 في المئة، إذ تقدم 37217 طالبا، نجح منهم 29078 طالبا، في عهد الوزير الأسبق د. محمد الفارس.وانخفضت نسبة النجاح العامة في العام الدراسي 2018-2017 إلى 67.47 في المئة، حيث تقدم 38257 طالبا نجح منهم 25795، بعد اعتماد وزير التربية وزير التعليم العالي الأسبق د. حامد العازمي لائحة عقوبات مغلظة لمحاربة ظاهرة الغش ووسائله، مما كان له أثر كبير في انخفاض الغش، وبالتالي تراجع نسبة النجاح في تلك السنة، وفي العام الذي يليه 2019-2018 بلغت نسبة النجاح العامة 73.3 في المئة، حيث كان عدد المتقدمين للاختبارات 37215 نجح منهم 25219 طالبا.وكان لجائحة "كورونا" التي عصفت بالعالم أجمع في 2020 أثر كبير على تراجع إجراءات "التربية" في ضبط نتائج الطلبة في اختبارات الثانوية العامة، حيث تسببت الجائحة في توقف الدراسة بالمدارس بشكل كامل لمدة 7 أشهر، الأمر الذي دفع وزير التربية وزير التعليم العالي السابق د. سعود الحربي إلى إقرار آلية تقييم خاصة للعام الدراسي 2020-2019، باعتماد نتائج الفصل الدراسي الأول الذي درسه الطلاب بشكل تقليدي، ونجاح كل الطلبة تقريبا، حيث بلغت نسبة النجاح آنذاك 98 في المئة، لأول سنة دراسية في زمن الجائحة، وكان عدد المتقدمين 38834، نجح منهم 38058.وجاء العام الدراسي الأخير 2021-2020 لتنخفض نسبة النجاح العامة إلى 91 في المئة، بعد أن ظلت الدراسة بنظام التعليم عن بعد طوال العام الدراسي الاستثنائي، والذي حرصت "التربية" على تحسين آلية التعليم عن بعد خلاله، ووضع جداول للحصص الدراسية، وتقليل زمنها لتتناسب مع آليات التعليم الإلكتروني.الاختبارات الورقية
ومع إصرار مسؤولي "التربية" على ضرورة تحقيق ولو جزءا من عدالة التقييم، من خلال تنظيم اختبارات ورقية تقليدية لطلاب الصف الثاني عشر، وهو ما أقره مجلس الوزراء في نهاية المطاف، مع تأكيد ضرورة التنسيق مع وزارة الصحة ووضع الضوابط اللازمة لضمان منع انتشار العدوى وسلامة الطلبة والعاملين بالمدارس، نجحت "التربية" في إجراء الامتحانات، لتسجل نجاح 43659 من أصل 48175 طالبا مسجلا في كشوفات الثانوية بقسميها العلمي والأدبي والتعليم الديني، بعد أن قلصت المناهج المقررة للاختبارات، والتي اقتصرت على مناهج الفصل الدراسي الثاني الذي تم تقليصه هو الآخر ليتناسب مع التعليم الإلكتروني، إضافة إلى تعليمات مشددة صدرت للتواجيه الفنية بضرورة مراعاة الظروف النفسية للطلاب، وجعل الاختبارات سهلة وأسئلتها مباشرة، مما ساهم في موجة رضا عامة لدى الطلاب.وعملت الجهات المختصة في "التربية" على وضع آلية لاحتساب درجات الطلاب، حيث تم منح الطلاب درجات شبه كاملة بناء على التقييم الإلكتروني للتعليم عن بعد للفصل الدراسي الأول، وهو ما ساهم في رفع معدلاتهم عن هذا الفصل، إضافة إلى اعتماد منح جميع الطلاب 40 في المئة من درجات الفصل الثاني، مما رفع معدلاتهم أكثر.ومع قرب موعد الاختبارات النهائية وإعلان الوزارة أنها ستكون ورقية، وتم تقليصها لتكون في مناهج الفصل الثاني فقط ومراعية لواقع التعليم عن بعد، احتسبت التربية الـ60 في المئة المتبقية على نتيجة الاختبارات لتضاف إلى مجموع الطالب، وهو الأمر الذي ساهم كذلك في رفع المعدلات، حيث سجلت التربية لأول مرة في تاريخها حصول 18 طالبا على معدل 100 في المئة، الامر الذي يعكس سهولة آليات التقييم والاختبارات خلال العام الدراسي الماضي، ولتكون نسبة النجاح في الكويت ضعفي نسب النجاح في تونس والجزائر.