وسط تصعيد عسكري لافت في إدلب، ينعقد اليوم اللقاء الـ 16 من «مسار أستانة» في العاصمة الكازاخية نور سلطان، قبل أيام قليلة من جلسة محتدمة لمجلس الأمن ستناقش تمديد التفويض الأممي لإدخال المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري، بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2533 الذي ينصّ على السماح بإدخالها عبر معبر وحيد هو «باب الهوى» الحدودي بين تركيا وسورية.ووسط احتدام النزال السياسي والدبلوماسي حول قضية المعابر، بدا أن موسكو تريد استخدام «التصعيد المضبوط» في إدلب كوسيلة للضغط على أنقرة في ملفَّين أساسيَّين الأول إبعاد تركيا عن المشروع الأميركي، إدخال المساعدات الدولية عبر الحدود، والثاني تطبيق اتفاق «سوتشي 2020» وفتح الطريق الدولي حلب ــــ اللاذقية (M4) أمام الحركة المدنية بين منطقتَي ترنبة غرب سراقب، وعين الحور في ريف إدلب الغربي.
وتطالب موسكو باستخدام معابر تسيطر عليها الحكومة حصراً، على عكس رغبة باقي دول مجلس الأمن وعلى رأسها واشنطن، التي تطالب بالإبقاء على الآلية السابقة. وبحسب مصادر مواكبة، فإن لدى الجانب الروسي، ومعه الدولة السورية، شروطاً أساسية للقبول بتمديد قرار مجلس الأمن 2533 وعدم استخدام حق النقض (فيتو) ضدّه، على رأسها «مشاركة مندوبين رسميّين عن الحكومة السورية، أو مندوبين عن ثُلاثيّ أستانة: روسيا، إيران، وتركيا، في عملية توزيع المساعدات الدولية».بناءً على ما تَقدّم، يبدو أن موسكو تسعى، من خلال التصعيد في إدلب، إلى الضغط على أنقرة لمنعها من الانخراط في المشروع الأميركي حول المعابر، بل ودفعها إلى الاشتراك في المشروع الروسي المقابِلة.ومع إدراك الروس أهمية معبر باب الهوى بالنسبة إلى الجانب التركي، فإنهم يسعون إلى إفهام أنقرة بأنهم لا يريدون إغلاق المعبر بقدر ما يريدون المشاركة في مراقبة دخول المساعدات عبره، وكيفية توزيعها.وفي خلفية المساعي الروسية، استشعار واضح لكون الموقف التركي مائلاً إلى الموقف الأميركي- الغربي بخصوص هذه القضية. ويتخوف الروس من مؤشرين على التقارب الأميركي- التركي الأول في أفغانستان حيث تدرس واشنطن اقتراحاً تركياً بإبقاء قوة عسكرية لحماية مطار كابول الدولي وربما مقار دبلوماسية وحكومية أخرى ما يوفر الكثير من الإحراج عليها، والثاني مشاركة تركيا بالمناورات الضخمة لحلف شمال الأطلسي الجارية منذ أيام في البحر الأسود، الذي تعتبره روسيا خطّاً أحمر وتلميح تركيا لإمكانية تعديل «اتفاقية مونترو» لعام 1936 التي رسمت حدود الحركة في مضيقَي البوسفور والدردنيل ومشروع قناة إسطنبول الذي يتبناه الرئيس رجب طيب إردوغان ويمكن أن يكون مدخلاً أميركياً للبحر الأسود من دون المرور بالمضائق.إزاء ما تقدَّم، تبدو الساحة السورية أمام تطوّرات يُحتمل أن تفضي إلى اتفاقات جديدة على غرار اتفاق إردوغان– مايك بنس (نائب الرئيس الأميركي السابق) في 2019، والذي فتح الباب أمام شرعنة عملية «نبع السلام» التي دخلت بموجبها تركيا إلى شمال شرق الفرات بين مدينتَي تل أبيض ورأس العين.ولا يستبعد مراقبون التوصّل لصفقة أميركية مع تركيا توسّع بموجبها احتلالها لمناطق في شمال شرق الفرات، وهو ما يثير مخاوف لدى روسيا قد تدفعها لقلب الطاولة على تركيا في إدلب، إنْ لم يتمّ تدارك الوضع بصورة سلمية.
الحكومة والمعارضة
وإضافة لقضية المساعدات والمعابر، ستتطرق هذه الجولة، التي تستمر للغد بمشاركة وفود روسيا وإيران وتركيا ووفدي الحكومة برئاسة نائب وزير الخارجية أيمن سوسان والمعارضة بقيادة أحمد طعمة ومراقبين من الأردن والعراق ولبنان والأمم المتحدة، لمناقشة القضايا الأساسية الأخرى المتعلقة بتحقيق التسوية السياسية وعلى رأسها السبل الكفيلة بدفع عمل اللجنة الدستورية في جنيف.وبعيداً عما ترسم إليه «الدول الضامنة»، بقي التضارب بين أجندات المعارضة والحكومة. وقال طعمة، إن وفده يريد مناقشة عدة ملفات أولها المعابر وتمرير المساعدات ووقف اختراقات النظام للاتفاقيات المتعلقة بتثبيت خطوط التماس، ووقف إطلاق النار، فضلاً عن عدم احترام الاتفاقيات السابقة، ومناقشة آفاق الحل السياسي القادم. في المقابل، أبلغ سوسان، صحيفة «الوطن» شبه الرسمية، أن وفده «سيركز على الرسالة التي وجهها السوريون خلال الانتخابات الرئاسية، برفض أي تدخل في الشأن السوري، وتمسكهم باستقلاليتهم وسيادة بلادهم»، معتبراً «النتائج يجب أن تفرض نفسها على كل المواقف الأخرى، لتغيير مقاربتها اتجاه الأوضاع في سورية».