علي السبتي... وداعاً متصلاً!
يقترن اسم الشاعر الكويتي علي السبتي (1935 - 2021)، باسم أحد صنّاع الشعر العربي الحديث البصراوي، وهو بدر شاكر السيّاب، فالسبتي هو منْ حمل نعش السياب عام 1964، من المستشفى الأميري في الكويت، ونقله بسيارته إلى البصرة، مسقط رأس السيّاب، حيث استقر بمثواه الأخير!لكن، إلى جانب ذلك، فإنّ السبتي يعد رمزاً للتجديد الشعري على خريطة الشعر الكويتي، ففي عام 1955 كتب قصيدته الحداثية الأبرز التي عنونها بـ "رباب"، وفيها يقول:بمن انشغلتِ يا رباب يا أمل المعنّى
يا من خَلقتُكِ من هوايَ البِكر لحنالحناً كما شاء الغرام وشئت أنتيبقى على الأيام أقوى من تصاريف اللياليمن مال قارون يجرّ على الدنيا زهواً ذيوله المال يغدقه فيجري كالجداول كالبحوروالسبتي الذي أطلق عليه الروائي إسماعيل فهد إسماعيل (1940 - 2018)، "شاعر في الهواء الطلق" معروف لروّاد رابطة الأدباء الكويتيين بمسلكه الإنساني الآسر، فلقد كان مباشراً صادقاً جريئاً لا يهاب في كلمته لوم لائم، ولا يتكلّف في لفَّ كلمته لتقديم الأعور بصفة صاحي العين، فهو يسمّي البشر والأشياء بأسمائها، وبعدها ليكُن ما يكون! وما أندره من شخص وأندرها من خصلة تلك التي اتّصف بها السبتي! وربما هذا ما قصده في قصيدته:لا تلتفت... ما عاد شيء يستحق الالتفاتواضرب بخطوك في المجاهل / في الدروب الموحشاتأو في البحار الساجرات / وفي الرياح السافياتاحمل جراحك... / لن يفكر فيك غيرك في زمان الإمّعاتقاوم ليالي القهر / وانشد...حلو شعرك في البساتين الموات / فغدا يجيء يعيد للموت الحياةلا تلتفت والسبتي في تمسّكه بالجرأة والشجاعة، جمع الضدّين، فبقدر شجاعته وجرأته، ينطوي علي قلب حنون، شغف بوصل أحبته، عاشق لقربهم، فهو القائل:أحبّكم رغم الأذى... أنتم... أهلي / فإن يشتكي بعضي، تداعى له كليغفرت لكم مهما بدا من فعالكم / وكم ستر السوءات ذو همة قبليولا يحمل السبتي في سلوكه ذرّة كِبر، فشباب وشابّات "منتدى المبدعين" في رابطة الأدباء يذكرونه بحرصه على حضور جلساتهم ومناقشاتهم، وهو في ذلك يردد عليهم: "أنا أحدكم، وصوتي كما أصواتكم!"الشاعر السبتي من جيل عاصر كويت البساطة، كويت البلدة الصغيرة، كويت البحر والغوص والسفر، وكويت جيل المخلصين الذين عملوا كل ما بوسعهم لرسم ملامح وطن جميل، يفاخرون به العالم أجمع! ولذا، فإنّ المتذوّق لشعر السبتي، يجده مضمّخاً بعبق الماضي، لكنّه يلبس رداء اللحظة، ويقدّم قصيدته بمفرداته التي تنتمي للحظة الراهنة، وكأنه بعمر شاب مراهق من عصرنا الراهن. يقول في إحدى قصائده:أبحث في درج المكتب عن مكتوب/ عن موعد حب في الغد خلق في وهمي محبوبْأطعمه الأشعار بلا عدّ / لكنّ الليل يئزّ به الصرصارينسج فوق جبيني خيمة عار / فأمزق ما في الدرج من الأشعارإن جملة السبتي الشعرية بقدر انتمائها لشاعر يُعدُّ من ضمن كوكبة من أوائل من كتب الشعر الحديث في الكويت، فإنّه ينتمي للحظة الإنسانية الراهنة، ويقترب منها ليقترف من مفرداتها جملة شعرية تبقى في الذاكرة، لكونها تحمل مذاقاً إنسانياً متحققاً في مختلف الأزمان.من ديوانه الأول "بيت من نجوم الصيف"أنا لي غادة حلوة / لها عينان ينبوعان من حب ومن نشوةتوشوشني بأعذب ما يُوشوَش شاعر فنان / أحس بدفئها يسري بأعصابيأحبك أنت دنياي التي ما عاشها إنسان / فتشرق في سماواتي شموس ثرّة الألوانوتخضرّ الروابي المجدبات، ويزهر النوّارأخي الشاعر علي السبتي... لروحك الطاهرة الرحمة والمغفرة، ولنا منك وصلنا الدائم بشعرك!