في المرحلة الثانية من ملء "سد النهضة العظيم" ماذا تبقى لمصر والسودان من خيارات كي تلزم إثيوبيا بالاعتراف بحقوقها التاريخية من مياه نهر النيل؟ وكيف ستنقذ مصر نفسها من الورطة التي وصلت إليها بعد إحدى عشرة سنة من التفاوض وبحسن نية، وبعد أن منحت أديس أبابا "شهادة براءة" باعترافاتها المتكررة؟

كان الرهان في هذه المرحلة اللجوء إلى مجلس الأمن، ظناً منهم أن رفع "القضية" إلى هذا المستوى الدولي سيدفع بإثيوبيا للتنازل قليلاً عن تشددها الذي سارت عليه منذ عام 2011 وإلى الآن.

Ad

الواضح من مواقف روسيا وفرنسا وغيرها من الدول الخمس الدائمة العضوية أن هذا النوع من النزاعات غير مخول البت فيه وأقصى ما يمكن أن يفعله توجيه رسالة أو توصية باللجوء إلى الحوار والتفاوض والحل السلمي، بعبارة أخرى "لا غدينا ولا طاب الشر"!

خبراء دوليون اعتبروا أن ما حصل في "عنتيبي" 2011 و"الخرطوم" 2015 من الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها مصر، بل هناك من نظر إلى هذين الحدثين بأنهما وضعا البلدين العربيين تحت رحمة إثيوبيا، ففي عام 2011 طرحت دول حوض النيل "اتفاقية عنتيبي" والتي رفضت مبدأ "الحقوق التاريخية والمكتسبة" من مياه نهر النيل باعتبار ذلك اتفاقيات بائدة من عهد الاستعمار واستبدلتها بمبدأ "الاستخدام المنصف للمياه" ووقعت عليها دولتا المصب!

عام 2015 تم التوقيع على ما يعرف بوثيقة المبادئ في الخرطوم من قبل دولة المنبع ودولتي المصب دون أن تعترض مصر على تجاهل الحقوق التاريخية والمكتسبة "وبذلك أسقطت ورقة رابحة بيد إثيوبيا وأعطت للسد شرعية من قبل الجيران!

إذاً ما الخيارات التي قد تلجأ إليها مصر بعد الآن؟

قبل عقد جلسة مجلس الأمن أوصل "آبي أحمد" رئيس الوزراء الإثيوبي رسالة تطمين تقول وبمراوغة عجيبة إن حصة مصر والسودان من المياه سترتفع بفضل سد النهضة، بعد عملية زرع ملايين الأشجار والنباتات، وهو ما من شأنه زيادة كميات مياه الأمطار التي تتساقط على الحوض! وهذا يندرج في سياق نهج المماطلة والتسويف التي تتبعها حكومة أديس أبابا!

قد لا تحصل مصر على ضمانات بالالتزام بحصتها التاريخية من مياه نهر النيل وهي بحدود 55.5 مليار م3 سنوياً وهو موقف حرج جداً وخطير يمس حياة ووجود أكثر من 110 ملايين نسمةـ، وقد يدفعها هذا إلى أصعب الخيارات على الإطلاق وهو "الحل العسكري" وإن كان هذا الأمر فلن يأتي بالدمار والحروب فقط، بل بفوضى عارمة من الصعب التنبؤ بمساراتها، علماً أن العديد من المختصين وأصحاب الخبرة يجمعون على أن الخيار العسكري أشبه بالانتحار.

البحث عن بدائل أخرى قد يكون الطريق الثالث الذي تحتاجه مصر وهو ما يمكن أن يعوضها عن خسائر محتملة من حصتها لمياه النيل علما أن هذه المشاريع تواجه عوائق وصعوبات كبيرة جداً.

هناك ثلاثة بدائل يمكن إعادة البحث بها:

أولاً: مشروع ربط نهر الكونغو بنهر النيل بشق قناة بطول 600 كلم تصل هذا النهر الذي تهدر مياهه بالمحيط الأطلسي في أحد روافد نهر النيل في السودان، وفي حال إتمامه سيوفر لمصر سنوياً ما بين 95 إلى 120 مليار م3 من المياه وطاقة كهربائية تكفي ثلثي قارة إفريقيا، لكن هذا المشروع يواجه عقبات تحول دون تطبيقه فوزارة الري المصرية أدرجت 22 سبباً للرفض!

ثانياً: استكمال مشروع قناة جونقلي بجنوب السودان والمقام على نهر الجبل تم حفر 260 كلم من إجمالي 360 كلم لكنه توقف عام 1983 بسبب الحرب الأهلية وفي حال جرى التوافق عليه سيزيد مياه نهر النيل بمقدار 18 مليار م3 من المياه، وبالرغم من فوائده العملية فإنه يواجه أسباباً تتعلق بالتمويل وعدم موافقة دول وسط إفريقيا ووضع جنوب السودان غير المستقر!

ثالثاً: مشروع تحويل مجرى النيل يربط بحيرة فكتوريا بالبحر المتوسط والذي سيكون نافذة على العالم للدول الحبيسة في حوض نهر النيل والذي سيخلق مشاريع تنمية متكاملة وستحدث ثورة في عالم النقل والطاقة والخدمات والتنمية.

لقد تخيل وزير الري المصري محمد عبدالمعطي المشهد إذا تحقق، بأنه لو كان هناك ممر مائي لتم تصدير كل المحاصيل الاستوائية بدلاً من رميها في الأرض كما حصل في جنوب السودان وفي مزرعة تقع على مساحة 80 كلم مزروعة بالمانجو!

مصر ستبقى وفية لنهر النيل فهذا قدرها وإن استشعرت إثيوبيا في لحظة ما أنها من الدول الإقليمية الكبرى والتي بمقدورها تغيير خريطة النهر الخالد وهو أمر ما زال في عالم الأحلام!

حمزة عليان