في أول محاولة لها للسيطرة على عاصمة ولاية، شنّت حركة طالبان، أمس، هجوماً على عاصمة بادغيس في شمال غربي أفغانستان منذ بدأت هجوماً كبيراً على القوات الحكومية، فيما يشارف انسحاب القوات الأميركية من البلاد على نهايته.

واندلع قتال عنيف في مدينة قلعة نو، عاصمة ولاية بادغيس، بعدما هاجم المسلحون كل الأقاليم المحيطة بالولاية، واستولوا على مقار الشرطة والمكاتب المحلية لوكالة الاستخبارات.

Ad

وبينما أكد رئيس شرطة الولاية، شير أجا الكوزاي، أن «مسلحي طالبان دخلوا قلعة نو»، قال العضو بمجلس بادغيس عبدالعزيز بيك، إن «المسلحين استولوا على شبكة من نقاط التفتيش الأمنية حول عاصمة الولاية، بعدما سيطروا على جميع المقاطعات الـ6 بالإقليم».

وتابع بيك أن القوات الحكومية أخلت 3 مقاطعات بالولاية أمس الأول. وأضاف أن العشرات من أفراد القوات الحكومية قتلوا وأصيبوا أو تم أسرهم في كمين نصبه المسلحون خلال عملية الإجلاء من إحدى المناطق، مما أثار الذعر بين السكان وفقدان الروح المعنوية وهروب مئات السجناء من سجن المدينة.

وقال حاكم بادغيس، حسام الدين شمس، للصحافيين: «العدو دخل المدينة، سقطت كل الأقاليم. القتال بدأ داخل المدينة».

ومع ورود أنباء عن الهجوم، نشرت على وسائل التواصل أشرطة فيديو للقتال في المدينة، فيما أظهر بعضها مقاتلي «طالبان» على دراجات نارية يدخلون مدينة قلعة نو فيما كان الحاضرون يصفقّون.

الحرب تحتدم

من ناحيته، قال وزير الدفاع الأفغاني، باسم الله محمدي، بعد ساعات على هجوم «طالبان» على بادغيس: «نقرّ بأن الحرب تحتدم ودخلت مرحلة صعبة، ونحن في وضع عسكري حساس جدا»، مضيفاً: «أريد أن أطمئن الجميع بأن قواتنا الوطنية، بدعم من قوات مقاومة محلية، ستستخدم جميع قوتها ومواردها للدفاع عن وطننا وشعبنا».

وعلى مدى أشهر، كانت «طالبان» تنتشر في محيط عواصم عدة ولايات فيما كان مراقبون يتوقّعون أن المسلحين ينتظرون استكمال انسحاب القوات الأجنبية قبل أن تأمر الحركة بهجوم على مناطق حضرية.

لكنّ الهجوم على قلعة نو يُشكل أول محاولة لـ «طالبان» للسيطرة على عاصمة ولاية.

وفي حال سقوط بادغيس، فإن ذلك سيشدد قبضة «طالبان» على غرب أفغانستان فيما تقدّمت قواتها أيضا بعض الشيء في اتجاه مدينة هرات المجاورة قرب الحدود مع إيران.

وقال الخبير في الشؤون الأفغانية، نيشانك مطواني، إنه «إذا سيطرت طالبان على قلعة نو، فإن ذلك ستكون له قيمة استراتيجية، لأنه سيخلّف أثرا نفسيا على القوات الأفغانية بفقدان أراض سريعا مثل لعبة الدومينو أمام قوة لا يمكن وقفها».

طاجيكستان

في المقابل، أفاد مصدر أمني في طاجيكستان بأن 280 جندياً أفغانياً كانوا قد عبروا الحدود إلى طاجيكستان أثناء تراجعهم أمام تقدّم «طالبان»، نُقلوا جوا إلى بلادهم أمس.

وتراجع أكثر من 1000 من أفراد قوات الأمن الأفغانية، وعبروا الحدود إلى طاجيكستان قبل أيام، مع تقدّم «طالبان».

وأبدت طاجيكستان قلقها، وقالت إنها ستحشد 20 ألفا من قواتها لتعزيز حدودها مع جارتها الجنوبية. وحصلت كذلك على تطمينات من روسيا التي تستضيف طاجيكستان أكبر قاعدة عسكرية لها بالخارج.

روسيا

وفي سياق متصل، صرح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأن بلاده ستفعل كل شيء لحماية الحلفاء من التهديد القادم من أفغانستان، بما في ذلك استخدام القاعدة العسكرية في طاجيكستان.

وأشار، في مؤتمر صحافي، إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين أجرى محادثات مع نظيريه في طاجيكستان وأوزبكستان، وهو على اتصال مع زعماء آخرين في آسيا الوسطى.

من جانبه، قال سفير روسيا في أفغانستان، ديمتري غرينوف، إن بلاده اتخذت قراراً بتعليق عمل قنصليتها في مدينة مزار شريف شمال أفغانستان.

طهران

وفي حين لم تتوصل المحادثات بين «طالبان» وحكومة أفغانستان في قطر إلى نتائج حاسمة حتى الآن، عقدت وزارة الخارجية الإيرانية اجتماعاً تحت عنوان «الحوار بين الأفغان»، بمشاركة ممثلين عن حكومة كابول والحركة وشخصيات سياسية وثقافية أفغانية.

وقال وزير الخارجية محمد جواد ظريف في الاجتماع: «الصراع لم يحقق أي نتائج إيجابية، والعودة إلى طاولة الحوار بين الأفغان والالتزام بالسبل السياسية أفضل الحلول أمام التيارات السياسية لتحقيق الاستقرار»، مؤكداً «التزام إيران بتقديم المساعدة لتحقيق التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة في أفغانستان بعد إحلال السلام».

وأوضح ظريف: «الولايات المتحدة فشلت في أفغانستان، ووجودها لأكثر من 20 عاماً ألحق ضررا جسيماً بأفغانستان، واليوم يتعيّن على شعب أفغانستان وزعمائه السياسيين اتخاذ قرارات صعبة من أجل مستقبل بلدهم وتقرير مصيرهم بأنفسهم».

«لواء فاطميون»

ووفق قيادي في «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري، نقلت إيران أخيراً عناصر من «لواء فاطميون» الأفغان من سورية الى الحدود الإيرانية - الأفغانية.

وقــــال مصــــــدر في «الفيلق» لـ «الجريدة»: إن «طهران جدّدت خلال المؤتمر الأفغاني، دعوتها لحكومة كابول لضمّ لواء فاطميون إلى قواتها الحكومية، على غرار الحشد الشعبي في العراق، رغم أن الشيعة في أفغانستان أقلية».

وأضاف أن «إيران أبلغت كابول أن هذا العرض لن يبقى على الطاولة طويلاً، ملوّحة بأنها لا تستطيع منع اللاجئين الأفغان داخل أراضيها، والذين يريدون الدفاع عن قراهم وعائلاتهم في وجه طالبان من العودة الى أفغانستان، إلا أنها تفضّل أن يتم ذلك بالتنسيق مع حكومة كابول».

ورغم العلاقات الجيدة بين طهران وقسم من «طالبان»، فإن تيارات داخل الحركة المتشددة لا تزال تحمل عداء كبيرا للشيعة الأفغان الذين ليسوا محسوبين جميعا على إيران.

وحسب تقديرات إيرانية، فإن «لواء فاطميون» يضم 60 ألف مقاتل نصفهم في الخدمة الفعلية، والنصف الآخر بمنزلة قوات احيتاطية يتم استدعاؤها عند الحاجة.

«البنتاغون»

وفي واشنطن، أقرّت وزارة الدفاع (البنتاغون)، بأن القوات الأميركية غادرت قاعدة باغرام الجوية الاستراتيجية قرب كابول من دون أن تبلّغ السلطات الأفغانية مسبقاً بالساعة المحددة لانسحابها، عازية قرار إبقاء هذا الموعد طيّ الكتمان «لدواعٍ أمنية».

وكان مسؤولون أفغان، بمن فيهم القائد الجديد للقاعدة الجوية، أبدوا امتعاضهم لعدم إبلاغهم مسبقا بالموعد المحدد لمغادرة القوات الأميركية باغرام، والذي حصل في وقت مبكر من صباح الجمعة.

طهران - فرزاد قاسمي