في 7 مايو وخلال الساعات التي تَلَت صلاة الجمعة، كان تاجر النسيج والأقمشة عبدالولي يوشك على إقفال متجره في إسلام أباد استعداداً لبدء تنفيذ قرار الإقفال التام في عاصمة باكستان بسبب تفشي فيروس كورونا، حيث أعلن نائب المفوض المحلي أن وسائل النقل العام ستتوقف عن العمل بعد الساعة السادسة مساءً، لذا اضطر عبدالولي لخوض سباق مع الزمن للحاق بواحدة من آخر الحافلات المتجهة إلى الشمال لتمضية عيد الفطر مع عائلته كما يفعل كل سنة.حين كان عبدالولي منشغلاً بتحضيراته الأخيرة، تلقى اتصالاً لإبلاغه بأن شقيقه الأكبر خُطِف: "لم تسمع زوجة شقيقي أي خبر عنه طوال أيام، ثم أبلغها بعض أصدقائه المقربين بأن السلطات المحلية خطفته".
ينتمي عبدالولي إلى عائلة إيغورية مسلمة تنحدر في الأصل من منطقة "دابانتشنغ" في "أورومتشي"، عاصمة إقليم "شينغيانغ" الإيغوري المستقل في الصين، فقد انتقل والده إلى باكستان خلال الستينيات تزامناً مع اشتداد حملة القمع الصينية ضد الثقافة الإيغورية والشعائر الإسلامية المحلية، وبعد العمل في وظائف بسيطة، بدأ والده يعمل في مجال التصدير وتزوج من امرأة باكستانية، وهي والدة عبدالولي، بعد سنوات قليلة من انتقاله إلى باكستان ثم دعا بعض أفراد عائلته الكبيرة للانتقال إلى هناك أيضاً.يقول عبدالولي إن شقيقه، رجل الدين المسلم الذي يتنقل في أنحاء المنطقة كجزءٍ من نشاطاته الدينية، اتُهِم بالانتماء إلى "حركة تركستان الشرقية الإسلامية" التي تُعتبر جماعة إرهابية وخارجة عن القانون في الصين وباكستان معاً.يضيف عبدالولي: "شقيقي لم يحمل أي سلاح في حياته، فهو واعظ إسلامي وقد تم استهدافه لأنه يدافع عن الأئمة والمسلمين الإيغوريين الذين يتعرضون للاضطهاد في بلدنا الأم في حين تشاهد الأمة الإسلامية ما يحصل دون تحريك أي ساكن".انتقل عبدالولي الآن للعيش مع عائلته في بلدة "خيبر بختونخوا" الشمالية، فهم ينتظرون أخباراً جديدة عن شقيقه المفقود منذ شهرين تقريباً. بعدما فوّت عبدالولي الحافلة في يوم الإقفال التام في العاصمة، اصطحبه صديقه إبراهيم أحمد إلى دياره كونه يسلك الطريق نفسها خلال عمله في مجال النقل.يعترف أحمد بأن الإيغوريين الباكستانيين يتعرضون لقمع متزايد في السنوات الأخيرة تزامناً مع تنامي النفوذ الصيني، علماً أن والده كان قد انتقل من مدينة "كاشغر" في "شينغيانغ" إلى بلدة أخرى بالقرب من "غيلغيت" شمال باكستان خلال فترة التسعينيات: "أنا أتنقل في جميع أنحاء باكستان بداعي العمل. لقد استولى الصينيون على البلد كله، وفي إقليم "غيلغيت"، يطلب الكثيرون من أفراد عائلاتهم، لا سيما الرجال منهم، التوجه إلى مناطق أخرى من باكستان أو حتى دول أخرى. بدأت الصين تمحو الوجود الإيغوري من "غليغيت" حيث يقيم عدد كبير من الإيغوريين منذ عقود".في عام 2018، أطلق رجال باكستانيون حركة احتجاجية بسبب احتجاز زوجاتهم الإيغوريات في معسكرات الاعتقال الصينية، لكن المحتجين تعرّضوا للتهديد، فلم يبقَ إلا عدد ضئيل من الأفراد لدعم هذه القضية، منهم التاجر عمران مالك في مدينة لاهور.صرّح مالك لصحيفة "دبلومات": "مرّت ثلاث سنوات منذ أن بدأتُ أسجّل المعلومات المرتبطة بمكان زوجتي. هي عادت إلى الصين في عام 2018 ولم أسمع أي خبر عنها منذ ذلك الحين، ولا أعرف شيئاً عن مكان وجودها أو وضعها الحالي".تخشى الجماعات الحقوقية أن تكون زوجة مالك معتقلة، إلى جانب أكثر من مليون إيغوري مسلم، في "معسكرات إعادة التأهيل" الصينية كجزءٍ من حملة بكين لمحو الهوية الإسلامية الإيغورية، حيث صُمّمت تلك المعسكرات أصلاً لِحَثّ مسلمي الإيغور على نسيان الشعائر الإسلامية التي تعتبرها الحكومة الصينية أساس الحركة الانفصالية العنيفة في البلاد، كذلك، صدرت تقارير مفادها أن الإيغوريين المحليين أُجبِروا على تناول لحم الخنزير مع أن الشريعة الإسلامية تُحرّمه.على صعيد آخر، تدمرت آلاف المساجد في "شينغيانغ"، وصدرت قرارات بمنع المظاهر الإسلامية مثل ارتداء الحجاب أو إطالة اللحية "بدرجة غير طبيعية"، كذلك استهدفت حملة القمع عدداً من الأئمة المسلمين ومُنِع الموظفون الحكوميون وجميع الأشخاص تحت عمر الثامنة عشرة من الصوم في شهر رمضان، وأدت مظاهر القمع خلال شهر رمضان من هذه السنة، قبيل عيد الفطر، إلى تفريغ المساجد وتراجع عدد الصائمين علناً في "شينغيانغ".في 13 مايو، أصدر "مشروع الإيغور لحقوق الإنسان" تقريراً بعنوان "تجريد المسلمين من حقوقهم"، وهو يتناول قضية 1046 إماماً من أصل تركي تم اعتقالهم في "شينغيانغ". كانت باكستان من بين الدول التي ساعدت الصين في اعتقال هؤلاء الأئمة وتنفيذ ما اعتبره "مشروع الإيغور لحقوق الإنسان" عملية ترقى إلى مستوى "الإبادة الجماعية وفق تعريف القانون الدولي". كان عدد كبير من الأئمة قد تدرّب في المدارس الدينية في باكستان، لكنهم رضخوا للمطالب الصينية سريعاً وفق التقرير نفسه.في هذا السياق، يقول بيتر إيروين من "مشروع الإيغور لحقوق الإنسان"، وهو المشرف الرئيس على تقرير "تجريد المسلمين من حقوقهم": "انطلاقاً من حملة القمع هذه، شاركت باكستان في نشر الأفكار الصينية حول "حركة تركستان الشرقية الإسلامية" التي اختفت عن الأنظار قبل هجوم 11 سبتمبر".يشدد بيتر إيروين على توافق باكستان الكامل مع التوجّه الصيني في ملف اضطهاد مسلمي الإيغور عبر إنكار أي ارتكابات بحق هذه الجماعة. فيما تَحِدّ الحكومة الصينية التغطية الإعلامية في تلك المعسكرات، يسهل عليها أن تنشر خطابها الخاص حول هذه المسألة نظراً إلى استخفاف الدول الإسلامية بالجرائم الحاصلة ضد شعب الإيغور.يضيف إيروين: "إنها معركة خطابات بامتياز، لكن تكثر الأدلة المتعلقة بحقيقة ما يصيب مسلمي الإيغور في "شينجيانغ". لدينا شهادات من الأئمة ومقابلات مع عدد كبير من السكان المحليين الذين هربوا من الأَسْر. إنها صورة واضحة عن حقيقة تلك المعسكرات. تتعدد التحركات المعادية للمسلمين في الغرب أيضاً وترفع دول مثل باكستان الصوت ضدها، لكن عند تقييم حجم الارتكابات الحاصلة في الصين، لا مجال للمقارنة بين الحالتين".كانت عائلة زومريتاي أركين من بين العائلات التي نجحت في الهرب من "شينغيانغ". أصبحت أركين اليوم مديرة برامج "مؤتمر الإيغور العالمي"، وهي تكشف أن باكستان شكّلت طريقاً اختيارياً لتسهيل هرب عدد كبير من الإيغوريين، لكن بات المنتمون إلى هذه الجماعة والمقيمون في باكستان منذ عقود يخافون اليوم مما ينتظرهم في المستقبل.صرّحت أركين لصحيفة "دبلومات": نحن نتقاسم الحدود نفسها مع باكستان التي تُعتبر دولة إسلامية أيضاً، كان من الأسهل علينا أن نجد ملجأً لنا هناك منذ عقود، لكن باكستان بدأت الآن تُرحّل مسلمي الإيغور، مما يُعرّض حياتنا للخطر. اليوم، تنقل الوكالات الباكستانية الأخبار مباشرةً إلى السلطات الصينية في خضم حملة القمع المستمرة".تنتقد أركين تحديداً الحكومة الراهنة التي يقودها عمران خان في باكستان لأنها تنفذ أهداف الحملة الدعائية الصينية، وقد أدان "مؤتمر الإيغور العالمي" المقابلة التي أجراها خان مع قناة "الجزيرة" في عام 2019 حيث قال إنه لم يكن يعرف حقيقة ما يصيب مسلمي الإيغور، مع أن مواقف رئيس الوزراء الباكستاني دعماً لكشمير وفلسطين وحتى المسلمين في الغرب تتمحور دوماً حول الخطابات الإسلامية.يقول عمران خان من جهته إنه يجري "اتصالات خاصة" مع الحكومة الصينية، لكن وزير الخارجية السابق خورشيد قصوري صرّح لصحيفة "دبلومات" بأن الصينيين كانوا "منفتحين جداً" في طريقة تواصلهم حين كان يعمل في وزارة الخارجية، ويضيف قصوري: "يجب أن ترفع تركيا الصوت حول قضية الإيغوريين. هذا الشعب من أصل تركي في نهاية المطاف، ولا مصلحة لباكستان في مناقشة أي مسائل مرتبطة بالصين علناً لأن أي مواقف استنكار علنية لن ترتكز على معايير أخلاقية بل ستكون مجرّد أداة لتحقيق أهداف سياسية محددة".لكن تقول زومريتاي أركين إن عمران خان لم يكتفِ بالتزام الصمت في هذا الملف، بل إنه يتكلم دوماً عن المنافع التي قدّمتها الصين لباكستان ويوحي بأن البلد يعجز عن رفع الصوت إذا أراد تجنب أي تكاليف اقتصادية. في الأسبوع الماضي، عبّر خان خلال مقابلة مع موقع "أكسيوس" عبر شبكة "إتش بي أو" عن رضوخه المتكرر للصين مقابل إنكار ما يصيب مسلمي الإيغور.تضيف أركين: "إنه شكل واضح من الاستغلال العاطفي، لسنا الجهة الوحيدة التي تملك أدلة على ذلك، بل يتابع عدد كبير من المراسلين توثيق حملة الاضطهاد، ويعمل الباحثون والخبراء على هذا الموضوع منذ عقود، وتتسرب وثائق من الحكومة الصينية مباشرةً في بعض الأحيان، كذلك، يتكلم ملايين الأشخاص حول انتهاكات حقوق الإنسان التي تشارك فيها باكستان الآن ضد مسلمي الإيغور".نشر "مؤتمر الإيغور العالمي" تقريراً بعنوان "البحث عن مكان للتنفس بحرية" في عام 2017، وطرح فيه لائحة بأسماء الإيغوريين الذين رحّلتهم الحكومة الباكستانية. لقد زادت أعدادهم بدرجة فائقة منذ نشر ذلك التقرير، ومع ظهور وسائل المراقبة الجماعية وأجهزة التعقب وبرمجيات أخرى عاملة بالذكاء الاصطناعي، تستعمل السلطات الصينية اليوم تكنولوجيا متطورة أكثر من أي وقت مضى، وهي تتعاون راهناً مع السلطات الباكستانية لاضطهاد مسلمي الإيغور.في النهاية، يقول بيتر إيروين من "مشروع الإيغور لحقوق الإنسان": "إنها أول إبادة جماعية معاصرة تتكل على التكنولوجيا في التاريخ"!*تم تغيير بعض الأسماء الواردة في المقالة لأسباب أمنية.
دوليات
باكستان تساعد الصين في قمع مسلمي الإيغور
09-07-2021