من صيد الخاطر: مسجد كأني أكلت
اسم غريب لمسجد تركي، وهو فعلا أغرب اسم مسجد في العالم، إنه مسجد "كأني أكلت"، أو "صانكي يدم– Yedim sanki" كما تلفظ وتكتب بالتركية، وراء تسمية هذا المسجد قصة غريبة ومعبرة حدثت قبل حوالي 400 سنة، أي في عهد الدولة العثمانية، في منطقة الفاتح من مدينة إسطنبول، ويبدو أن هناك روايتين للمسجد نفسه، ولا بأس من سردهما.الرواية الأولى تحكي عن تاجر تركي اشتهى يوما عنبا فاشتراه ودفعه لخادمه، وقال له: احمله الآن إلى البيت وأعطه لزوجتي، ثم توجه إلى عمله، عاد التاجر عصراً الى بيته وطلب ما اشتهاه من عنب، فقالت له زوجته: لم يتبق من العنب شيء، فقد أكلناه أنا والعيال، فقام الرجل من فوره من دون أن ينبس ببنت شفة، وخرج من البيت، ولم يرد على زوجته وهي تناديه.توجه التاجر مباشرة الى أحد سماسرة الأراضي والعقارات، واشترى منه أفضل قطعة أرض عنده، ثم ذهب إلى أحد المقاولين وأراه أرضه التي اشتراها لتوه، وقال له: أريدك أن تبني لي مسجداً الآن، ومن فورك، قام المقاول وأحضر عماله ومواد بنائه، وباشر البناء في الحال.
عاد التاجر الى بيته، فسألته زوجته عن سبب خروجه المفاجئ، وعن عدم استجابته لندائها، فرد عليها وقد بان عليه التأثر: الآن أموت وأنا مرتاح البال، فأنتم لم تتذكروني بحبة عنب وأنا حي بينكم، فكيف ستتذكرونني بالصدقة علي بعد موتي؟ أما الرواية الثانية فتحكي عن رجل ورع يقال له خيرالدين كججي أفندي، وكان يتمنى أن يبني مسجداً على نفقته، ويبدو أن خيرالدين هذا كان ضعيف الحال ماديا، فكان كلما مشى في السوق، وتاقت نفسه إلى شراء لحم أو حلوى أو فاكهة، قال ممنيا نفسه: "صانكي يدم– Yedim sanki"، أي "كأني أكلت"، وبدلا من شراء ما اشتهته نفسه فإنه يقوم بوضع نقوده في صندوق يحتفظ به لبناء ما يحلم به.استطاع خيرالدين بعد سنوات طويلة توفير المال الكافي ليبني به حلم حياته، ولما كان أهل محلته يعرفون قصة هذا الشخص الورع، وكيف استطاع توفير المال لبناء المسجد، فقد أطلقوا عليه مسجد "كأني أكلت" (صانكي يدم– Yedim sanki)، وليصبح أغرب اسم لمسجد بني للمسلمين.المسجد موجود فعلا، فهو لا يزال قائما في زقاق كرباجي نام في إسطنبول، وهو يتسع لحوالي 200 مصل، شاهداً على إخلاص وزهد من بناه.ملحوظة: القصة من التراث العثماني، منقولة بتصرف.