الفيلسوف القائد
كنت على مقاعد الدراسة، المادة كانت الفلسفة السياسية، وكان الموضوع جمهورية أفلاطون ورأيه في وجوب أن يحكم الفلاسفة المجتمعات، فقلت يومها للدكتور لا حاجة لنا بالفلاسفة، فالأحزاب السياسية ودوائر البحث والدراسات في كل فروع المعرفة والعلم تُغني وتكون أشمل وأغزر في أفكارها ومقترحاتها لأنها نتاج علم وخبرة محيطة، لذا فإن صوابيتها وتشخيصها وبالتالي قراراتها أقرب للحقيقة والحكمة. هذا الوضع أفضل من الاعتماد على رجل واحد يسمى فيلسوفا؛ ولكن ما هزَّ قناعتي في هذه الفكرة أنني وجدت عمالقة من البشر برقت نجوميتهم في عالم التغيير والتطوير في الماضي البعيد والحديث والمعاصر، هؤلاء العمالقة تركزت في عقولهم فكرة متمردة على المألوف، واشتعلت في نفوسهم رغبة جامحة للإصلاح والتغيير الجذري، فحركوا عجلة التاريخ، ودفعوا تيار الحياة إلى مسارات لم تخطر على قلب بشر، لذا تجد كلامهم وما صدر عنهم من تعابير تصف دوافعهم وأفكارهم ضرباً من الحكمة والفلسفة، رصَّعت فضاءات الحضارة الإنسانية، إنه نموذج الفيلسوف القائد.لن أتوغل في أحشاء التاريخ الإنساني العام، سأذكر من عالمنا الإسلامي والعربي الذي ضربه المَحْل والتجعُّد الحضاري من أحقاب وضربه التصحُّر في كل المجالات إلى أن جاء مهاتير فحوّل بفلسفته مدن الملح إلى جنات وارفة الظلال.
وجاء أردوغان فحوّل تركيا واقتصادها إلى عملاق انعكس على القوة العسكرية والسياسية ليضع تركيا لاعباً فاعلاً على رقعة الشطرنج الدولية وبالذات الشرق أوسطية، ولا ننسى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الذي حوَّل دبي القاحلة الرَّطِبة في بضعة عقود إلى معجزة يحلم كل إنسان في العالم أن يزورها، ولا أنسى منظر سائحة غربية تنظر إلى قمة برج خليفة وكلها انبهار، ذلك الانبهار الذي لا تراه إلا في عيون السياح عندما يقفون أمام الأهرامات ومعجزات العالم السبع. أقول هذا بعيداً عن أية رؤى نقدية أو اختلافات ثقافية وسياسية مع هذه الدول، أنا أوجِّه النظر والاهتمام إلى الجانب الإبداعي وقوة واتجاه التغيير على أرض الواقع وفي صميم الحياة الذي تنطق به الأرقام المذهلة، ويكون محط اهتمام العالم وإعجابه.ما أحوجنا في الكويت إلى فيلسوف قائد يقود الجهد الحكومي لينفض عن عقولنا وجوارحنا غبار الشلل والتراجع والتحجر، وينفث الحياة في واقعنا، فتفرز التطور الذي يخرق جدار المألوف.نعم لو تمكن الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، رحمه الله، صاحب الرؤية الخارقة للتطوير والتغيير من إدارة العملية التطويرية لكانت الكويت معجزة تعيد ألَق الماضي الباهر عندما كانت الكويت عروس الخليج. خطرت لي هذه الخواطر وأنا أرى حكومة ميتة إكلينيكياً أصبح معها البلد في حالة جمود وهمود، فضاءاتها المستقبلية خاوية كابية تحوم فيها غربان وعُقبان جائعة بعد أن انفضت عنها العقول، وانغمست في أجواء صراع عبثي يأكل الزمن ويقتل الفرص ويزرع اليأس.لا ينبغي أن نجلس القُرفصاء على أرصفة اللافعل، علينا أن نغادر دائرة العُقم، ونبدأ بأول خطوة تتمثل بوضع برنامج عمل مفصَّل للمستقبل القريب والمتوسط والبعيد، وليتداع أهل الحكمة والخبرة، وننشئ شبكة علاقات أشبه بالكول سنتر، فيُسهم كل خبير وعالم بما لديه حسب اختصاصه لترتيب وتصنيف الحلول من خبراء علم التخطيط والإدارة، وتفرغ في برامج عمل ويربط التحرك السياسي والحراك الشعبي بهذه البرامج، فنحقق بهذا أضعف الإيمان.