مشهدان جديدان تقدّما في لبنان... الأول من البطريركية المارونية التي شهدت احتفالاً بالذكرى المئوية على العلاقة بينها وبين السعودية، والثاني، زيارة سفيرتي الولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا، وفرنسا آن غريو إلى المملكة، في خطوة تحصل لأول مرة في التاريخ للبحث في الملفات اللبنانية العالقة.

لا بدّ للحدثين أن يتكاملا، خصوصاً أن السفير السعودي وليد البخاري كان قد عاد إلى لبنان قبل ساعات من الاحتفال في الصرح البطريركي للكنيسة المارونية، وبعد ساعات من لقائه السفيرتين المذكورتين.

Ad

ويؤشر المشهد إلى زيادة نسبة الاهتمام الدولي بلبنان، من لقاء الفاتيكان، إلى لقاء وزراء خارجية أميركا وفرنسا والسعودية في روما، والذي ستتابع نتائجه اليوم سفيرتا الولايات المتحدة وفرنسا في لبنان مع المسؤولين السعوديين في الرياض، وبالتالي لا يمكن فصل الاحتفال بمئوية العلاقات بين السعودية والبطريركية المارونية عن هذه التطورات، في وقت تشير مصادر سياسية رفيعة لـ "الجريدة" الى أن خيار عقد مؤتمر دولي لمساعدة لبنان أصبح أمراً متداولاً في الكواليس الدولية، ويتم البحث عن شروط وزمان ومكان انعقاده.

الصورة في بكركي كانت تكاملية حول علاقة البطريركية المارونية بالمملكة، وهذا ما أكدته مواقف كل من السفير السعودي والبطريرك الماروني بشارة الراعي، الذين شددا على ضرورة حماية لبنان وكيانه والدولة فيه بصيغة العيش المشترك واحترام استقلاله وسيادته وعدم انتمائه لأيّ محور على حساب الآخر، والأهم عدم تغريبه عن عمقه العربي.

وكان موقف السفير السعودي بالغ الدلالة حين قال: "لا شرعية لمفهوم الأقليات أمام شرعية مسلمة ومسيحية، ومن هذه الشرفة نأمل من الأفرقاء السياسيين أن يغلّبوا المصلحة اللبنانية لمواجهة التحديات التي يعيشها لبنان".

أما موقف البطريرك الراعي في الاحتفال، فقد كان واضحاً لجهة عمق العلاقة والإصرار على استمرارها، خصوصاً في ظل تشديده على أن السعودية لم تعتد يوماً على سيادة لبنان. وقال إن "السعودية لم تعتدِ على سيادة لبنان يوماً، ولم تنتهك استقلاله، ولم تستبح حدوده ولم تورّطه في حروب ولم تتجاهل دولته، وكانت ترعى المصالحات والحلول وتستقبل اللبنانيين وتوفّر لهم الإقامة وفرص العمل".

واستشهد الراعي بمواقف للملك الراحل عبدالعزيز آل سعود عندما قال: "سأدافع عن استقلال لبنان كما أدافع عن استقلال مملكتي"، مستذكراً أن السعودية كانت أول دولة عربية تعترف باستقلال لبنان عام 1943، وكذلك رعايتها لمؤتمر الطائف.

وتمنّى الراعي أن "تستعيد العلاقات اللبنانية - السعودية عفويتها وتقاليدها السابقة حين كان قادة المملكة يزورون ربوع لبنان، ويلاقون الترحيب الشعبي، يومها كان عندنا دولة واحدة وآمنة".

وشددت مصادر بكركي على أن خيار لبنان هو العلاقة الممتازة مع العرب على مختلف الصعد الثقافية والسياسية والاقتصادية، ولا يمكن للبنان أن يكون غريباً عن نفسه وعن محيطه. ورأت أن اللقاء يجب أن يشكّل فرصة أمام كل الأفرقاء اللبنانيين لاستعادة العلاقات من خلال الدولة اللبنانية بالسعودية وكل العرب لإنقاذ نفسه، بعيداً عن حسابات وصراعات المحاور.

وتؤكد المصادر وجود تطابق كامل في رؤية السعودية والبطريركية المارونية حول نهائية الكيان اللبناني، والحفاظ على العيش المشترك والطائف، وعدم الذهاب الى خيارات تقسيمية أو طائفية ولا أي من هذه الطروحات التي تقضي على لبنان كوطن نهائي.

في المقابل، ينتظر اللبنانيون نتائج زيارة السفيرتين الأميركية والفرنسية إلى السعودية، وبحسب المعلومات، فإن السفيرتين التقتا السفير البخاري، والمسؤول عن الملف اللبناني نزار العلولا، ولدى سؤال مصادر دبلوماسية عن أسباب هذه الزيارة وأهدافها، أجابت المصادر: "لأن السفيرتين إلى جانب السفير السعودي على اتصال وثيق بكل الملفات اللبنانية، وهذا يعطي انطباعاً بإمكانية البحث في التفاصيل". وبحسب ما تشير بعض المعطيات، فإن الزيارة هي لاستكمال البحث الذي بدأه وزراء خارجية الدول الثلاث قبل أيام، وتفيد المعلومات بأن البحث سيتركز على 3 نقاط، الأولى هي البحث في إمكان إعادة تنشيط الحركة السياسية للسعودية في لبنان، والثانية البحث في إمكان دفع السعودية لتقديم مساعدات مالية وإنسانية لعدد من المؤسسات بينها الجيش اللبناني وبعض الجمعيات الأهلية، أما الثالثة فهي محاولة لفهم حقيقة الموقف السعودي من تشكيل الحكومة والحصول على موقف سعودي واضح في هذا المجال، إما لدعم رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في عملية التشكيل، أو لاختيار شخصية أخرى يتم التوافق حولها. لكنّ بعض الجهات في لبنان لا تعول كثيراً على نتائج هذه الزيارة، معتبرة أن هذا المسار سيطول.

في المقابل، جهات أخرى تفيد بأنه لا يمكن لكل القنوات الدبلوماسية، إلا أن تبحث أيضاً في كيفية التعاطي مع حزب الله من خلال أي حكومة سيتم تشكيلها، وفي ضوء المفاوضات الإيرانية مع الولايات المتحدة. وذلك يؤكد أن الأزمة اللبنانية سيكون أمامها المزيد من الانتظار ريثما تتضح الصورة الإقليمية والدولية.

أما على الصعيد الداخلي، فلا تزال المراوحة الحكومية قائمة، الرئيس المكلف سعد الحريري ينتظر نتائج زيارة السفيرتين، وإذا يمكن أن تؤدي نتائجها إلى انعكاس مباشر على مساعيه لتشكيل الحكومة، أم يعود إلى خيار الاعتذار. موضوع الاعتذار يشهد جدلاً سياسياً في الكواليس، ففيما يشدد رئيس المجلس النيابي نبيه بري على الحريري بأنه في حال قرر الاعتذار يجب عليه تسمية شخصية بديلة عنه ويوفّر لها الدعم، إلّا أن هذا الموقف لا يلاقي قبولاً لدى رؤساء الحكومة السابقين الذين يفضّلون وفق ما يقول الرئيس فؤاد السنيورة:

"العودة إلى اللعبة الديمقراطية، ولتشكل الأكثرية حكومتها، وليعارض الآخرون". كلام الكواليس أشار إلى التداول باسم الرئيس السابق نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة، وفيما ينفي المقربون من ميقاتي ذلك، تقول مصادر أخرى إنه مستعد لذلك في حال حصل على غطاء من الحريري ورؤساء الحكومة السابقين.

منير الربيع