قال تقرير «الشال» الاقتصادي الأسبوعي إن الهيئة العامة للاستثمار أُسست بكيانها القانوني الحالي في عام 1982، بعد أن كانت إدارة في وزارة المالية، إلى جانب مكتب الاستثمار الكويتي في لندن، ذلك ليس مهماً، المهم هو أن فكرة تأسيس أول صندوق سيادي في العالم كان منشأها الكويت عام 1953، وذلك الصندوق هو النواة لكيان الهيئة الحالي.

ويقول البعض إن الفكرة جاءت في الأساس من دولة الحماية، أو بريطانيا، وكان دافعها دعم الجنيه الإسترليني المنهك، بعد أن فقدت إنكلترا دور الجنيه كعملة احتياطية عالمية، وبعد خسائر خوضها حربين عالميتين في النصف الأول من القرن الفائت، وقد يكون ذلك صحيحاً، لكنّ الكويت الواعية كانت حينها منشأ كل الأفكار الذكية، المخطط الهيكلي وإحصاءات السكان والتعليم العام وتعليم البنات والابتعاث وتحويل الكويت مركزاً للمنظمات الإقليمية وغيرها، كلها كانت قرارات سليمة، ولا يعوز إدارتها في ذلك الحين القدرة على الابتكار، أو تمييز الغثّ من سمين الأفكار أياً كان مصدرها، وكان تقنينه عام 1976 قرارا صحيحا شاملاً ضرورة تعزيزه بإضافة 10 بالمئة من الإيرادات العامة السنوية إلى رصيده مع حظر السحب منه، وصدر القانون رقم 18 عام 2020 بوقف إضافة الـ 10 بالمئة إليه.

Ad

والغرض من تكوين الاحتياطيات المالية، هو من جانب تعويض فاقد أصل النفط الزائل، ومن جانب آخر، ضمان عدالة توزيع إيراداته ومنافعه بين الأجيال المتعاقبة، ففي بلد لم يتجاوز عدد سكانه عام 1957 نحو 206.5 آلاف نسمة، ضمنهم 113.6 ألفا كويتيون، أي نحو 4.4 بالمئة فقط من إجمالي عدد سكانه حالياً، لن يستطيع مواجهة متطلبات المستقبل ما لم يستبدل النفط بما يكفي من نقد، ويجيد استثماره ليحقق الحد الأدنى من احتياجات سكانه المتنامية والمستدامة.

عادة ما تكون فترات رواج سوق النفط، أو رواج أسواق العالم المالية، قصيرة، وهي أفضل الفترات لبدء مشروعات الإصلاح المالي والاقتصادي، وفي علم المالية العامة، لا يُحتسب بيع الأصل إيرادا، والبديل المستدام المتاح حالياً، وحتى بدء نشاط اقتصادي حقيقي، هو دخل الاستثمار.

كنا في الأسبوع قبل الفائت بانتظار جلسة مجلس الأمة السنوية اليتيمة التي تستعرض فيها الحكومة الحالة المالية للدولة، وهي جلسة سريّة، لكن، من معلوماتها المتسربة في الماضي كنّا نصل إلى تقدير صحيح في الغالب، لحجم احتياطيات الأجيال القادمة، وتعطلت الجلسة، وفضّ دور الانعقاد لنحو 4 أشهر، وغابت معه فرصة الحصول على المعلومة في عالم يعيش ثورته الرابعة، أو ثورة المعلومة.

وما تسرّب من معلومات، هو ما ذكره مسؤولو الحكومة من أن احتياطي الأجيال القادمة حقق نمواً قياسياً وارتفعت أصوله بنحو 33 بالمئة، دون ذكر أساس الرقم، ويظل تحقيق نمو قياسي أمرا طيبا، شكرنا ونكرر شكرنا وتقديرنا للقائمين على إدارته، لكن، ظلت المجاهيل كثيرة والعرض غير الصحيّ للتقديرات المتفاوتة بشدة، وفي بلد يحتاج إلى تغيير جوهري في نهجه التنموي وسياساته، قد يتحول ذلك الزهو بنمو الأصول الاستثنائي إلى العودة للسياسات الاقتصادية والمالية البائسة التي أوصلت البلد إلى معاناته الحالية.

وأول الأمور الواجب مراعاتها، هو أن الطفرة في أسعار الأصول المالية كانت في غالبيتها نتاج سياسات نقدية ومالية شديدة التوسع، وفي دول أخرى، وتلك حالة غير مستدامة، أي استثنائية، وإن كان من الطيب قطف ثمارها، والعمل على خفض مخاطر المستقبل لها، إلا أن مخاطرها في ارتفاع وتكرارها شبه مستحيل.

ثاني الأمور، هو ضرورة الإفصاح عن الأرقام الحقيقية، فالوقت قد حان، وربما تأخر، على تعديل مصادر الدخل للمالية العامة من «غير مستدامة» إلى مستدامة، وتغيير وظيفة احتياطي الأجيال القادمة، والبدء بمعرفة حجمه والحفاظ عليه وتقدير عائداته المستدامة، والمرغوبة على المدى المتوسط هو أول المتطلبات.

وثالث الأمور هو أن حجم احتياطي الأجيال القادمة لا يُحسب بالمجمل، بل بالصافي، وما نعرفه هو أن الحكومة مدينة بنحو 60 – 70 مليار دولار هي قيمة الديون السيادية، محلية وخارجية، إضافة إلى عجوزات التحويلات إلى صناديق التقاعد.

وآخر الأمور، هو أن كل ما تقدّم هو رؤى لإنقاذ بلد، جاء في زمن الإدارة العامة للبلد في شقّيها التنفيذي والتشريعي الرقابي، مشلولة، لم تلتئم بشكل صحيح على مدى 7 أشهر، والإصلاح يتطلب حدا أدنى من التوافق الوطني، وفي ظل هكذا وضع مأزوم، احتمالات التوافق شبه معدومة، ولا علاج يبدو في الأفق.