كيف هو حال البلد إذا كانت الجامعة، التي يفترض أن تكون منارة التقدم للدولة، هي في حقيقتها مرآة لأمراضه المزمنة، أساتذة يشكون من تضخم أعداد الطلبة، لا أحد ينصت لهم من المجلس أو الحكومة، بل تدخل الواسطة والمحسوبيات حتى في العمل الأكاديمي، لربما يحصد الطالب أعلى الدرجات العلمية حسب المعرفة الخاصة، وما دمنا فقدنا الأمل بالإصلاح، إذن لم لا يزيد كرم بعض المدرسين في منح الدرجات، فيتقدم الدارسون لدروس إضافية صيفية، بعد كرم حاتمي في منح الدرجات كي يحصل د. حاتم على مخصصات إضافية؟ ما العمل حين يحشر الطلبة أنفسهم في دراسة اللغة الإنكليزية وهم في مستوى السنة الدراسية السابعة (ثالث متوسط) حين يدخلون قسم الأدب الإنكليزي وهم لا يعرفون الكتابة والقراءة؟ سجلوا بهذا القسم لربما تكون فرص العمل لهم أفضل بالمستقبل في وزارات الكسل.

هل هي صورة سوداوية فاقدة الأمل تقدمها لنا د. مي باسل النقيب في مقالها المهم بمجلة "عالم الأدب اليوم" (مجلة أدبية تصدرها جامعة أوكلاهوما)، تنتقل فيها مي من لقطة إلى أخرى، تنقل لنا بتفان وصدق أكاديمي صور البشاعة في كويت حداثة اليأس، كويت كراهية الأجانب كالفلسطينيين بعد التحرير وتحميل الجالية الفلسطينية وزر قياداتها أيام الاحتلال، إلى ما يحدث اليوم نحو العاملين العرب والآسيويين بعد انتشار وباء كورونا، ورفع مرضى الوطنية شعار "ارموهم في البر"، مثلما صرخت بحماسة شاعرية إحدى الفنانات الكويتيات هلل لها الكثيرون.

Ad

من أين نبدأ؟ وأين ننتهي في عالم اليأس من الإصلاح وتبادل اتهامات الفساد عند السياسيين؟ هل نصل إلى كآبة الروائي النمساوي ستيفان زفايغ، بعد أن أغلقت أمامه أبواب الأمل وهو في مهجره بالبرازيل، بعد الحرب الكونية الثانية، فأنهى حياته؟ وكيف يمكن أن تسير الأمور وتلك المعارك المستمرة بين أغلبية مجلسية غير قابلة لحكومة ترى أنها فُرضت عليها وسلطةٍ مصرة على استمرار هذه الحكومة؟ وما العمل مع كل الدمار للبيئة والحياة في بلد لا يكترث سياسيوه لما يحدث له ولا لمستقبله؟ فلا شيء غير "الأنا" الأنانية وبعدي الطوفان.

الكثير تقوله مي النقيب ينضح بالألم عن وطنها، وهي تقف تشاهد النور يتلاشى عن بلد كان في يوم مضى بقعة من الضوء والأحلام. صور مي الحزينة تكمل مشاهد رسمتها شقيقتها د. فرح النقيب في كتابها "تحول الكويت، تاريخ النفط والحياة الحضرية" (بالإنكليزي)، والذي لم يصرح بتداوله في وطن حرية الفكر والتعبير!! "في الخرائب هناك تأملات ما بعد الكويت"، وما أشد خشيتنا من حرف وكلمة "ما بعد"، من يقرأ؟ من يتعظ من سيرة غيره في تواريخ الأمم؟ ومن يتلاحق على السفينة وثقبُها يتسع يوماً بعد يوم؟ شكراً لمي مثلما قلتُ قبلها شكراً لفرح الغائبة، ويا خسارة الوطن حين غادرنا الفرح يائساً.

حسن العيسى