هددت حركة طالبان الأفغانية المتشددة بأن مقاتليها سيسعون الى السيطرة على كل مدن أفغانستان ويهاجمون العاصمة كابول، في حال فشل المفاوضات مع الحكومة الأفغانية، في دعوة لهذه الأخيرة لقبول شروط الحركة التي تتقدم ميدانياً مع انسحاب القوات الأميركية والأطلسية أو مواجهة مزيد من الهجمات. وقال الناطق باسم "طالبان"، ذبيح الله مجاهد، في تصريحات تلفزيونية، إن "مقاتلي الحركة يستعدّون للسيطرة الكاملة على المدن، بما في ذلك العاصمة كابول، لطرد الحكومة الحالية منها، في حال لم تُفضِ المفاوضات الجارية إلى نتيجة"، متوقعاً "أن تفضي هذه المفاوضات إلى توافق جميع الفصائل على إقامة نظام حكم إسلامي كامل يخضع له جميع الأفغان".
جاء ذلك في وقت زعم المتحدّث باسم وفد من قادة "طالبان"، زار موسكو أمس الأول، عبدالله منصور، أن معظم أراضي أفغانستان، باستثناء كابول وجزء من المناطق المحيطة بها، أصبحت تحت سيطرة الحركة.
حرب المعابر
وكانت "طالبان" قد سيطرت في الأيام الماضية على معابر حدودية استراتيجية مع دول الجوار. وبعد سيطرتها الشهر الماضي على معبر شيرخان الاستراتيجي الحدودي مع طاجيكستان، تمكّن مقاتلوها من السيطرة على معبر تورغوندي الحدودي مع تركمانستان، ومعبر إسلام قلعة الحدودي، أكبر معبر تجاري مع إيران.وتعهّدت "طالبان" بأنّ تبقى كل الحدود الواقعة تحت سيطرتها مفتوحة وعاملة، وزارت وفود من الحركة إيران وروسيا التي تملك وجودا عسكريا في طاجيكستان لطمأنتهما.
حملة الحكومة
في المقابل، أكدت السلطات الأفغانية، أمس، أنها تستعد لشنّ هجوم لاستعادة معبر إسلام قلعة، وقال المتحدث باسم حاكم هرات، جيلاني فرهاد، إن "التعزيزات لم تُرسل بعد إلى إسلام قلعة، لكن سيتم إرسالها إلى هناك قريبا".وحصلت كابول على إعفاء من واشنطن يسمح لها باستيراد الوقود والغاز الإيراني، على الرغم من العقوبات الأميركية.وكانت "طالبان" قد أعلنت، الخميس، بعد ساعات من تبرير الرئيس الأميركي جو بايدن انسحاب بلاده، أنها سيطرت على 85 بالمئة من أراضي البلاد، مستكملة بذلك قوسا يمتد من الحدود الإيرانية إلى الحدود مع الصين.وصرح وفد من قادة "طالبان" في موسكو، أمس الأول، بأن الحركة تسيطر على نحو 250 من أصل 400 إقليم في أفغانستان، وهي معلومات يصعب التحقق منها بشكل مستقل، ونفتها الحكومة.وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأفغانية فؤاد أمان: "إذا كانوا (يسيطرون) على مثل هذه القطاعات من الأراضي، فلماذا يقيم قادتهم في باكستان ولا يمكنهم المجيء الى أفغانستان؟"، مضيفا: "لماذا يرسلون قتلاهم أو جرحاهم إلى باكستان؟".وخسرت القوات الأفغانية التي باتت محرومة من الدعم الجوي الأميركي الكثير من الأراضي، لكنها أكدت - الجمعة - أنها استعادت أول عاصمة ولاية هاجمها المتمردون هذا الأسبوع، هي قلعة نو (شمال غرب).ميليشيا خان
وانتشر أمس مئات من مقاتلي ميليشيا إسماعيل خان في أرجاء مركز هرات الذي يسيطرون على مداخله، وفق ما أفاد مراسل "فرانس برس" في المكان.وكان القيادي السابق في تحالف لقتال "طالبان" خلال الغزو الأميركي بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 قد قال في مؤتمر صحافي أمس الأول: "سنذهب قريبا جدا الى الجبهات الأمامية، وبعون الله نغيّر الوضع"، مؤكدا أن مئات المدنيين من جميع أنحاء البلاد تواصلوا معه وأبدوا استعدادهم لقتال "طالبان".وكان خان قد حقق مع مقاتليه سلسلة انتصارات ضد "طالبان" بعد وصول الحركة المتطرفة الى السلطة للمرة الأولى، لكنّه اضطر للفرار الى إيران مع الآلاف من رجاله عام 1995 بعد انشقاقات لحلفائه. وبعد عودته عام 1997 الى البلاد لقيادة تمرّد، اعتقلته "طالبان"، لكنه تمكّن من الفرار من سجنه في قندهار بعد ذلك بعامين، وظل طليقا حتى الغزو الأميركي عام 2001.وحمل خان (75 عاما) الذي يتحدّر من مدينة هرات التي تبعد مئة كيلومتر عن إسلام قلعة، الحكومة مسؤولية هذا التدهور السريع في الوضع، وحضّ الجيش على إظهار مزيد من الحزم.وقال: "قلة الاهتمام والمعلومات غير الصحيحة والعديد من الأسباب الأخرى أدت إلى سقوط الأقاليم"، مطالبا "كل القوات الأمنية المتبقية بأن تقاوم بشجاعة".وقال حاكم بادغيس، حسام الدين شمس، أمس، إن "طالبان" هاجمت مرة أخرى عاصمة الولاية قلعة ناو، لكن تمّ صدها. وقلعة ناو هي أول عاصمة ولاية تمكنت "طالبان" من اختراقها منذ بدء هجومها، إذ استولت على العديد من المباني الرسمية الخميس، قبل طردها في اليوم التالي.كما زعمت "طالبان" أنها سيطرت، أمس، على منطقة في ولاية لغمان المحاذية لكابول.ولم تعد القوات الحكومية تسيطر بشكل أساسي إلّا على الطرق الرئيسة وعواصم الولايات التي يتم توفير الإمدادات لبعضها عن طريق الجو.ورغم تقدّم "طالبان" الثابت، تواصل واشنطن سحب قواتها. وأثناء إعلانه الخميس أن الانسحاب العسكري الأميركي سينتهي في 31 أغسطس، رأى الرئيس بايدن أن "سقوط أفغانستان بأيدي طالبان ليس حتميا"، قائلا إن "الجيش الأميركي حقّق أهدافه في أفغانستان، بقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وضرب قدرات التنظيم، ومنع شنّ مزيد من الهجمات على الأراضي الأميركية"، ورحّبت "طالبان" بإعلان بايدن.من ناحيته، دعا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى ممارسة ضغط دولي من أجل إبرام اتفاق بين الحكومة الأفغانية و"طالبان"، معتبرا أن "الواقع الأمني في أفغانستان يتطلّب تعزيز الضغط الدولي من أجل اتفاق سياسي يضع حداً للنزاع".غني
ودعت واشنطن إلى "اتفاق سياسي لإنهاء النزاع"، لكنّ المفاوضات متعثرة بين الحكومة الأفغانية و"طالبان"، واتهم الرئيس الأفغاني أشرف غني الحركة المتمردة، أمس، بأنها لا تريد التفاوض.وكشف غني أن 400 شخص يقتلون أو يصابون جراء تردي الوضع الأمني في البلاد، وتساءل عن مبرر التصعيد الأمني والميداني في الوقت الذي انسحبت القوات الأميركية، مطالبا جميع الأطراف بأن يتّعظوا مما يجري في سورية واليمن وليبيا، وفق تعبيره. وتابع: "الحكومة بذلت جهوداً كبيرة من أجل السلام وتريد السلام، لكن طالبان استمرت في استخدام العنف".إجلاء الصين
الى ذلك، ذكرت الصين أنها أعادت 210 من رعاياها في أفغانستان مع تسارع انسحاب القوات الأميركية. جاء ذلك، في حين انتقدت بكين في الأسابيع الأخيرة ما وصفته بالانسحاب "المتسرّع والفوضوي" لواشنطن، "مما يفسح المجال للفوضى والحرب أمام الشعب الأفغاني ودول المنطقة".