الدول الفقيرة هي الأكثر تضرراً من نظام التلقيح الأوروبي
حرص كل من يقيم في بريطانيا وسبق وتلقى لقاح «أسترازينيكا» على التحقق من رقم الدفعة الخاصة به في الأيام القليلة الماضية كي يعرف إذا كان من بين 5 ملايين بريطاني تلقوا نسخة من اللقاح المُصنّع في الهند، إذ لم تصادق المفوضية الأوروبية على ذلك اللقاح، مما يمنع إعطاء شهادة «كوفيد» الرقمية الجديدة.تسمح هذه الشهادة لكل من تلقى اللقاح بالسفر بين دول الاتحاد الأوروبي من دون الحاجة إلى حجر نفسه أو إجراء فحوصات إضافية، ولهذا السبب، أحدثت الأخبار المرتبطة بمنع سفر بعض البريطانيين ووضع أوروبا خارج نطاق صلاحيتهم ضجة واسعة، لكن سيتجاوز المواطنون البريطانيون هذا الوضع على الأرجح وسيتمكنون من السفر إلى أوروبا في نهاية المطاف، فقد أعلن رئيس الوزراء شخصياً أن المسافرين لن يواجهوا أي مشكلة، وبرأي عضو في اللجنة البريطانية المشتركة حول التلقيح، تقتصر المشكلة على «عائق إداري» وستُعالَج في أسرع وقت.لكن لم تذكر عناوين الأخبار أن ملايين المسافرين الآخرين يواجهون هذه المشكلة منذ فترة ولم يتلقوا بعد أي نوع من التطمينات، فهم المقيمون في دول غير أوروبية في أنحاء العالم وسبق أن تلقوا اللقاح المُصنّع في الهند والمعروف باسم «كوفيشيلد». في الشهر الماضي، قال مسافرون من شرق إفريقيا إن السفارة الفرنسية في نيروبي أبلغت المسافرين المحتملين أن «وكالة الأدوية الأوروبية» وفرنسا لا تعترفان حتى الآن بلقاح «كوفيشيلد» مع أنه يُصنَّع بموجب ترخيص من «أسترازينيكا»، وأطلق هذا الخبر موجة اتهامات مفادها أن الاتحاد الأوروبي بدأ يفرض مجدداً العوائق التي تسمح بتحصين أوروبا ضد بقية دول العالم، حتى أن الصحافي الهندي بارخا دوت اعتبر هذا الازدراء باللقاح الهندي شكلاً من «العنصرية القبيحة».
يجازف هذا الوضع بإطلاق أزمة دبلوماسية شاملة، وعند صدور تصاريح السفر في الاتحاد الأوروبي من دون ذكر «كوفيشيلد»، هددت الهند بالرد على تلك الخطوة، فصرّح مصدر حكومي لقناة «بي بي سي» بأن نيودلهي قد تستعمل سياسة المعاملة بالمثل على مستوى الاعتراف بشهادة «كوفيد» الرقمية الصادرة عن الاتحاد الأوروبي إذا لم تُضف اللقاحات التي تنتجها الهند إلى تصاريح السفر الأوروبية.تشكّل هذه القضية سابقة خطيرة، فبعد 18 شهراً على تباطؤ النشاط الاقتصادي بطريقة جذرية، قد يؤثر أي نظام مزدوج المعايير على التجارة ورحلات العمل ويُضعِف قدرة الدول الأكثر فقراً على التعافي، ولا ننسى التكاليف البشرية التي تتكبدها العائلات التي تفصل بينها القارات. حتى الآن، يبدو أن الغضب الذي عبّرت عنه الدول غير الأوروبية أعطى جزءاً من المفعول المنشود، وفي نهاية الأسبوع قبل الماضي، صادقت سبع دول أوروبية بطريقة فردية على لقاح «كوفيشيلد»، لكنّ العجز عن توقع هذا الغضب يثبت أن الإجراءات البيروقراطية المعمول بها تغفل عن حاجات معظم دول العالم وتوجهاتها.يمكن استخلاص درس مفيد جداً من هذه المشكلة، ففي المرحلة الأولى من وباء كورونا، كان أصعب تحد يتعلق بأن يفهم الجميع أن العالم كله يواجه المشكلة نفسها وأن أحداً ليس بأمان إلا إذا أصبح العالم بأسره آمناً. اليوم، يكرر جميع علماء العالم هذه الفكرة.لكن اتّضح الآن أن التضامن الوقائي لا يقتصر على النوايا الحسنة وتقاسم الموارد، بل إنه يتطلب تفكيك البنية التحتية الحمائية كونها لا تتماشى مع الظروف التي فرضها فيروس عالمي وسريع التبدّل، وفي حين يجد ملايين المواطنين البريطانيين أنفسهم عالقين في نظام شائب وغير مرن، وتبدأ بريطانيا التفكير بقوانين السفر بعد حملات التلقيح وبإعادة فتح العالم، يجب أن يتنبه الجميع إلى هذا الدرس المهم.* نسرين مالك