ماذا حقق بايدن في جنيف؟
على الولايات المتحدة أن توضح أن العمل كملاذ لمجرمي الفضاء السيبراني يُـفضي حتما إلى الرد الانتقامي، ولأن قواعد الطريق لن تكون مثالية أبدا، فيجب أن تكون مصحوبة بعملية استشارية منتظمة تضع إطارا للتحذير والتفاوض، وربما يتضح في الأشهر المقبلة ما إذا كان بايدن نجح في إطلاق مثل هذه العملية في جنيف.
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
حتى وإن كانت المعاهدات الرسمية في مجال الحد من الأسلحة غير قابلة للتطبيق، فربما يظل من الممكن فرض قيود على أنواع بعينها من الأهداف المدنية، والتفاوض بشأن قواعد تقريبية لمواصلة العمل. على سبيل المثال، على الرغم من الاختلافات الأيديولوجية المعيقة، تفاوضت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في عام 1972 على اتفاقية خاصة بالحوادث في البحر للحد من السلوك البحري الذي قد يُـفضي إلى تصعيد خطير.الواقع أن التجسس ليس مخالفا للقانون الدولي، ولن يحظى اتفاق يقضي بحظره بأي مصداقية. ومع ذلك، قد تتفاوض الولايات المتحدة وروسيا بشأن فرض قيود على سلوكياتهما في ما يتعلق بمدى (لا وجود) عمليات التجسس السيبراني، أو ربما تتفقان على فرض قيود على تدخلهما في العمليات السياسية الداخلية لكل منهما، وحتى إذا لم يتسن التوصل إلى اتفاق حول تعريفات دقيقة، فيمكنهما تبادل بيانات أحادية حول مجالات ضبط النفس وإنشاء عملية تشاور منتظمة لاحتواء أي نزاع.يبدو أن هذا كان النهج الذي استكشفه بايدن في جنيف، فوفقا لروايات صحافية، سَـلَّـمَ بايدن نظيره بوتين قائمة تضم 16 مجالا للبنية الأساسية الحيوية ــ بما في ذلك الطاقة، والصحة، وتكنولوجيا المعلومات، والخدمات المالية، والمواد الكيميائية، والاتصالات ــ التي قال إنها "يجب أن يكون الهجوم عليها محظورا بشكل قاطع".من ناحية، لم يكن هذا جديدا، ذلك أن ما يعتبره الأميركيون بنية أساسية حيوية كان منشورا منذ فترة طويلة على موقع هيئة الأمن السيبراني على الإنترنت وموقع هيئة أمن البنية الأساسية في الولايات المتحدة، لكن الأمر يختلف عندما يسلم رئيس دولة نظيره مثل هذه القائمة. بعد الاجتماع، كشف بايدن أنه سأل بوتين كيف قد يكون شعوره إذا دُمِّـرَت خطوط أنابيب روسية بواسطة أحد برامج الفدية الخبيثة، كما حدث مع خط أنابيب كولونيال الأميركي في مايو من قِـبَـل مجرمين يعملون من روسيا. سيكبد هذا الاقتصاد الروسي تكلفة باهظة، حيث يعتمد بشكل كبير على خطوط الأنابيب لتصدير الغاز الطبيعي، ومع أن الأميركيين لم ينسبوا هجوم برنامج الفدية على خط أنابيب كولونيال للحكومة الروسية، لكن خبراء أميركيين ذكروا أن عصابات إجرامية في روسيا تمارس أفعالها كما يبدو دون عقاب طالما أنها لا تهاجم أهدافا روسية.في مؤتمر صحافي بعد القمة قال بايدن: "لقد نبهته إلى أننا نمتلك قدرة سيبرانية كبيرة، وهو يعلم هذا، صحيح أنه لا يعرف كنه هذه القدرات على وجه التحديد، لكنها كبيرة، وإذا انتهكوا هذه القواعد الأساسية، فسيأتي ردنا إلكترونيا بالمثل، وهو يعلم هذا". بعبارة أخرى، كان بايدن يشير ضمنا إلى التهديد بالردع إذا استمرت روسيا في انتهاك القواعد الطوعية التي تحظر الهجمات على البنية الأساسية المدنية واستخدام أراضيها لأغراض ضارة. بوتين شخص ذكي، ومن المؤكد أنه سمع الرسالة، لكن تحسن السلوك الروسي يتوقف على مصداقية بايدن. الواقع أن رسم الخطوط الحمراء قد يكون أمرا صعبا، حيث يخشى بعض المنتقدين أنه من خلال تحديد ما يستوجب الحماية، ربما ألمح بايدن إلى أن مجالات أخرى تُـعَـد أهدفا مشروعة، وعلاوة على ذلك، يجب أن تُـفـرَض الخطوط الحمراء فرضا حتى تكون فَـعّـالة، ويزعم المنتقدون أن تركيز التحذير كان من الواجب أن ينصب على مقدار الضرر الذي وقع، وليس أين أو كيف حدث. بالقياس، من غير الممكن أن تطلب من مضيف حفل ما أن يوقف كل الموسيقى؛ بل تحذره بأنك ستستدعي الشرطة إذا ارتفعت الضوضاء إلى حد لا يطاق. يتبقى لنا أن نرى كيف سيفسر بوتين رسالة بايدن، لكن الرئيسين اتفقا على إنشاء مجموعة عمل سيبرانية يمكنها محاولة رسم حدود "التسامح".يتعين على الولايات المتحدة أن تعلن من جانب واحد المعايير والقواعد التي تتعهد بالالتزام بها، وعندما تتجاوز روسيا مثل هذا الخط، يُـصـبِح لزاما على أميركا أن تكون مستعدة للانتقام الموجه، مثل إفراغ الحسابات المصرفية المملوكة لبعض حكام الـقِـلة المقربين، أو إطلاق معلومات محرجة، أو تعطيل شبكات روسية. قد تكون استراتيجية القيادة السيبرانية المتمثلة بالدفاع عند الخطوط الأمامية والمشاركة المستمرة مفيدة للردع، لكنها يجب أن تكون مصحوبة بعملية من الاتصال الهادئ.تعمل الجماعات الإجرامية غالبا كوكلاء للدول بدرجات متفاوتة، ويتعين على الولايات المتحدة أن توضح أن العمل كملاذ لمجرمي الفضاء السيبراني يُـفضي حتما إلى الرد الانتقامي، ولأن قواعد الطريق لن تكون مثالية أبدا، فيجب أن تكون مصحوبة بعملية استشارية منتظمة تضع إطارا للتحذير والتفاوض، وربما يتضح في الأشهر المقبلة ما إذا كان بايدن نجح في إطلاق مثل هذه العملية في جنيف، أو ما إذا كانت العلاقات السيبرانية الروسية الأميركية ستظل تشكل الوضع المعتاد المزعج.* جوزيف س. ناي الابن أستاذ في جامعة هارفارد ومؤلف كتاب «هل تشكل الأخلاق أي أهمية؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من فرانكلين ديلانو روزفلت إلى ترامب».«بروجيكت سنديكيت، 2021» بالاتفاق مع «الجريدة»
جوزيف س. ناي الابن
روسيا والولايات المتحدة و13 دولة أخرى وافقت على قواعد طوعية تحت رعاية الأمم المتحدة تُـحَــرِّم الهجمات السيبرانية على البنية الأساسية المدنية