تتجه الأزمة اللبنانية إلى التدويل، بفعل الأمر الواقع، إذ تشير الحركة الدولية والدبلوماسية إلى أن المجتمع الدولي يضع يده أكثر فأكثر على الواقع اللبناني، لكن من بوابة المساعدات الإنسانية.

دول عديدة تتعاطى مع لبنان وكأنه قطاع غزة، يعيش حالة حصار سياسي مسؤول عنها المسؤولون فيه، والبحث فقط يقتصر على كيفية تقديم مساعدات لمواجهة الفقر والجوع والعوز.

Ad

تلك كانت غاية اللقاءات، التي عقدتها السفيرتان الفرنسية والأميركية في السعودية، وهو نفسه المنطق الذي تعمل وفقه معظم الدول العربية، بالإضافة إلى التنسيق الغربي-العربي حول تقديم المساعدات، وفق ما ورد في اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن ونظيره القطري محمد بن عبدالرحمن.

الأزمات المعيشية بكل اتجاهاتها، والتي من المرجّح أن تستفحل أكثر، تسير على وقع إصرار دولي يتجسد في عدم السماح للمسؤولين اللبنانيين بأخذ مواطنيهم رهينة، لذلك تبرز مشاريع واقتراحات أفكار متعددة حول تعميق الاهتمام الدولي الأكبر بالملف اللبناني، أو أن يشكل باب المساعدات الإنسانية مدخلاً لتحرك أوسع أو أكبر، مثل توصية لجنة الدفاع في الجمعية العامة الفرنسية، حول تشكيل فريق عمل دولي يعمل تحت سلطة الأمم المتحدة، للإشراف على المساعدات، وربما على ضبط الحدود وحركتها لمنع التهريب، ومكافحة المخدرات، بالإضافة إلى عنوان آخر أساسي يعطي بعداً عسكرياً أو سياسياً أو أمنياً لهذا المقترح، وهو مواجهة أي مخاطر قد تنجم عن تحركات يقوم بها تنظيم «داعش».

وبمجرد طرح الفكرة، بدأ في لبنان التحسُّب لما يمكن أن ينتج عنها من ردود سياسية، خصوصاً أن «حزب الله» أعلن الاستنفار السياسي، بدرجة متقدمة جداً، وهو إذ يستشعر أن مثل هذه الطروحات، بالإضافة إلى التحركات الفرنسية-الأميركية، قد تمهد لفترة مشابهة لحقبة عام 2004، من خلال التنسيق الفرنسي-الأميركي حينها، وصولاً إلى إقرار مجلس الأمن الدولي القرار 1559، الذي يتعلق بنزع أسلحة الميليشيات.

حتماً لن يكون «حزب الله» مرتاحاً لمثل هذه الحركة، ويُتوقع أن يحضّر ردوداً سياسية لمواجهتها، مما سيدفعه إلى التشدد في مواقفه السياسية.

مسألة مراقبة الحدود البحرية والبرية هي فكرة كانت مطروحة أيام إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في حين عارضتها باريس يومها، أما اليوم فالتغير في اللهجة الفرنسية واضح، وسط معطيات تفيد بأن باريس أصبحت أقرب إلى واشنطن، لا العكس. كل ذلك يأتي في ظل العرقلة، التي تشهدها المفاوضات حول الاتفاق النووي في فيينا، وبالتالي فإن التصعيد سينعكس في مختلف دول الشرق الأوسط، بما فيها لبنان.

وبحسب ما تقول مصادر دبلوماسية متابعة، فإن التشديد على مبدأ مراقبة الحدود له هدفان، الأول منع تهريب المخدرات، وهذه أمور كانت مدار بحث بين مسؤولين دوليين مع المسؤولين في المملكة العربية السعودية، والثاني هو محاولة التصدّي لأي عملية سيقوم بها «حزب الله» لإدخال النفط الإيراني إلى لبنان، خصوصاً أن هذا الأمر قد يعرّض المتورطين به لعقوبات أميركية.

وغير بعيد عن هذا التوجه، يُتوقع أن يكون الشهر المقبل هو موعد البحث في تجديد مهمة قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، إذ كان تم التجديد لهذه القوات في أغسطس الماضي، سنة واحدة، وكانت الإدارة الأميركية تصرّ على توسيع مهام هذه القوات، وإلا انتفت الحاجة للتمديد لها، كما أن واشنطن هددت بوقف دفع الحصة المتوجبة عليها لتمويلها، وتدخلت حينها فرنسا وأخذت الأمر على عاتقها، لكن طوال الأشهر الفائتة لم تنجح «اليونيفيل» في ضبط الوضع كما يريده المجتمع الدولي، وحالياً تدور مفاوضات بين الدول حول إمكانية التصويت على توسيع صلاحيات ومهام هذه القوات الدولية وتزويدها بأجهزة حساسة وكاميرات مراقبة، بالإضافة إلى توسيع نطاق عملها خارج المساحة المقررة، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 1701، كما أن هناك فكرة لتوسيع مهمات هذه القوات لتشمل الحدود الشرقية للبنان، أي الحدود اللبنانية -السورية، ورغم أن روسيا والصين تعارضان مثل هذا الاقتراح، فإن المؤكد أن كل المؤشرات تفيد بأن المرحلة المقبلة ستكون في غاية التصعيد.

منير الربيع