وردة زرقين تعزف لحن التراث في «ذات الفلجتين»
مجموعتها القصصية الجديدة تستهدف الحفاظ على الذاكرة الشعبية
كأنها تعزف بقلمها لحن التراث والموروث الشعبي في بلادها، استطاعت الأديبة الجزائرية وردة زرقين، أن تلفت أنظار الوسط الثقافي في بلادها بعد أن أصدرت أخيراً مجموعة قصصية جديدة بعنوان "ذات الفلجتين"، عن دار "الأوطان" تتضمن 12 قصة تعبّر عن موروث ثقافي وروح حضاري عميق لروح الأمّة الجزائرية وشعبها بتلك البساطة والتلقائية، وشموخ كالجبال، فمن يقرأ القصص تستوحيه طيبة الإنسان الجزائري وبساطته وأداؤه الصادق.
اتسمت المجموعة القصصية "ذات الفلجتين" بكلام الروح ووهج القلب ولغة الإشارة والتضمين والتلميح بالشيء، حيث تقول الكاتبة: "من خلال لغتي المعبّرة وبأسلوبي الخاص، عبّرت بهدوء ووضوح عن أشياء عظيمة وعميقة في نفس الإنسان الجزائري ومن روح قيم ومنجز شعبنا بتاريخه وأصوله ورموزه وأخلاق دينه ومجتمعه في دنيالا تعجّ بالصراع واغتصاب الأرواح والحضارات والأوطان أمام ثقافات وافدة، فقد زاوجت في كثير من المشاهد بين اللغة الواصفة والسّرد، يتخللها الموروث الثقافي كالأمثال الشعبية والتراث اللامادي عموماً، فيندمج الموروث من الأمثال السائرة في النص السردي القصصي وشعر الحكمة، ما يعطي إيقاعاً وتصويراً وتمثيلاً وتشبيهاً جميلاً فيه من روح الحكمة الكثير والكثير من المعاني، وقد ختمت أحياناً، مشاهد القصص بمقاطع شعرية، لزيادة جاذبية الأداء وتعميق الحكمة.وتابعت في تصريح لـ"الجريدة"، أن"توظيفي للتراث في هذه المجموعة يدخل في إطار التوثيق حتى يبقى متوارثاً من جيل لآخر، وهكذا أسهم في الحفاظ على الذاكرة الشعبية، لاسيما أن اهتمامي بهذا الكنز الثمين تحوّل إلى ممارسة منتظمة، وجعلني أجتهد وأبحث عنه في مناطق مختلفة من ربوع الجزائر، بحيث سعيت إلى عملية بحث واسعة لجمع وإنقاذ كل ما هو خارج التوثيق من أناس حفظوا هذه الجواهر الثمينة، التي توارثتها الأجيال عن الأجداد، فارتباطي بكل ما هو تراث وولعي به، جعلني أقرر الغوص في أعماق الذاكرة والإبداع الشعبي الذي يهدّده النسيان".
ووردة زرقين من مواليد مدينة قالمة (شرقي الجزائر)، وهي قاصة، وشاعرة وكاتبة في صحيفة "المساء" الجزائرية، صدرت لها 4 كتب حول التراث الشفوي الشعبي، تكتب الشعر بالعربية والإنكليزية والفرنسية، ونشرت قصائدها في صحف ومجلات عربية وأجنبية عالمية ومواقع إلكترونية، وشاركت في العديد من المهرجانات الثقافية، المسرحية والسينمائية، الأدبية والشعرية في الجزائر وخارجها ونالت جوائز وتكريمات، في لبنان وتونس والأردن والمغرب.للأديبة رواية تحت الطبع، استلهمت فيها الموروث الثقافي الجزائري المادي واللامادي، إلى جانب ديوان شعر بعنوان "أريج وردة"، جمعت فيه كل قصائدها منذ أن بدأت كتابتها لسنوات طويلة.
مقتطفات من قصة «الشبح الأسود»
حضر الاثنان العرس، واستمتعا بجميع الأنغام والأغاني، بل ورقصت كوكة في جناح النساء متباهية بحليها وبلباسها التقليدي "الكراكو" الذي لا تبتغي عنه بديلاً، إذ ترى فيه روحها وكيانها وكل ما أوتيت من محاسن. أما معمر فقد انساق وراء إيقاعات "القصبة" و"البندير" وأغانٍ تراثية، وتفاعل مع الزغاريد المنبعثة من الفضاء الأنثوي، فأمتع الحضور بحركاته المنسجمة مع تلك الإيقاعات إلى ساعة متأخرة.أرسلت كوكة طفلاً يُعلِمَه بأوان العودة، لأن المطر سيطول هطوله، ويصبح المسلك صعباً كونه محاذياً للمقبرة.خرجت كوكة وأخوها معمر من قاعة الأفراح وهي تمسك بذراعه متقية البرد ومتشجّعة بوجوده لتجاوز ذاك المسار المرعب المظلم.اقترب الاخوان من المقبرة، ففي وقت كان معمر يحدث أخته عن أجواء العرس... انبعث صوت دقات أشبه بدقات الطبل في مكان قريب، ثم سرعان ما تعمل الريح على تضخيم تلك الأصوات... وجحظ قلب كوكة... والتصقت بمعمر كاتمة صراخها، وتسارعت الخطوات في رعب شديد، وكلما همّت كوكة بالصراخ والبكاء... ضغط معمر على يدها يشعرها بوجوده وبالأمان.أحمد الجمَّال
الكاتبة زاوجت بين اللغة الواصفة والسّرد ووظفت الشعر لتعميق الحكمة