رياح وأوتاد: هل سيكون بيان القوى السياسية نقطة تحول؟
أسأل الله تعالى أن يجعل بيان القوى السياسية الكويتية الذي صدر نهاية الأسبوع الماضي نقطة تحول في عمل مجلس الأمة، فقد أجمعت هذه القوى (وبعضها ممثل في مجلس الأمة) على اعتبار أن محاربة الفساد هو الموضوع الأول الذي يجب أن تلتقي عليه جميع القوى، لأن الفساد هو الخطر الكبير الذي تسبب في ضياع أموال الدولة وشوه صورتها في السنوات الأخيرة، ولم تكتف القوى السياسية بذلك فقد أوردت في بيانها الوسائل الدستورية الصحيحة واقترحت التشريعات القانونية التي تكفل القضاء على هذه الآفة، وطالبت الحكومة والمجلس بإقرارها على الفور، خاصة أنها تعتبر تطبيقاً لما ورد في مواد الدستور وتنفيذاً لقرارات النيابة العامة بشأن قضايا المال العام التي تم حفظها بسبب عدم وجود تشريعات مجرمة لها. فقد انقضى دور الانعقاد الأول دون أي إنجاز يذكر سوى صرف وهدر المال العام بما لا يعود بأي نفع على البلاد أو مستقبل الأجيال، ولا بد الآن أن يبدأ الأعضاء بداية جديدة مع التمسك بالدستور في عملهم وهو العقد والنظام العام الذي استقر عليه الحكم في الكويت. فالدستور نص في مادته (17) على حرمة ووجوب حماية المال العام، ولا شيء في مواد الدستور يمنع أو يحول دون تصدي النواب للفساد بكل كفاءة، وذلك على العكس من بعض القضايا التي طالب بها الأعضاء في دور الانعقاد الماضي والتي تتصادم مع الدستور واللائحة ولم تسفر في النهاية عن أي إنجاز. (راجع مقال د. عثمان عبدالملك يفند استجوابات النواب).
ويخطئ مثل هذه الأخطاء كثير من الكتاب والمدونين في وسائل التواصل، فمن المدونين من يخالف الدستور الذي نص في المادة (54) على أن (ذات الأمير مصونة لا تمس)، وقد يكون ذلك بحسن نية ورغبة في الإصلاح، ولكنه يقع في مخالفة للدستور والقانون فالدستور نص أيضاً في المادة (36) على أن (حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، وذلك وفق للشروط والأوضاع التي يبينها القانون)، حيث نص قانون أمن الدولة (م 25) على منع (الطعن في حقوق الأمير أو سلطته أو عاب في ذاته) وهذا ورد أيضاً في قانوني المطبوعات والمرئي والمسموع، لذلك فإن مخالفة الكاتب أو المدون لهذه النصوص يفقد الكاتب هدفه ولا يؤدي إلى تحقيق مراده من الإصلاح مهما حسنت نيته، وهذا المنع القانوني خاص بذات الأمير فقط،ولا يمتد إلى سائر الوزراء والمسؤولين والشخصيات العامة الذين يباح نقد أعمالهم، ولكن يجب أن يكون نقد هؤلاء ملتزماً أيضاً بما منعته نفس هذه القوانين التي جرمت التعريض بكرامة الأشخاص وحرياتهم الشخصية وأسرارهم التجارية ونسبة قول أو فعل غير صحيح إليهم، وهذا يتفق تماماً مع أحكام الشريعة الإسلامية. لذلك على الكتاب والمدونين الالتزام بالقانون وأحكام الشريعة الإسلامية في النقد مثل المصداقية ومعرفة حقيقة القرار المنتقد حق المعرفة، وعدم الانصياع وراء الإشاعات وعدم الإساءة أو تجريح الكرامات في النقد، وعدم الوقوع في خطأ أكبر من الخطأ المراد انتقاده وأخطره مخالفة النظام العام أو الدعوة للخروج عليه. ولفظ الخروج في الشريعة يقصد به الخروج على الإمام أو ولي أمر المسلمين، أما في القانون المعاصر فهو يشمل الخروج على النظام العام الذي يرأسه الأمير أو ما يعرف بالانقلابات أو استخدام وسائل العنف والقوة في تغيير النظام. وقد بين كثير من الوعاظ والدعاة أحكام الشريعة الإسلامية في هذا الخروج بياناً حسناً في ندواتهم ومحاضراتهم ولكن كثيراً منهم لم يبين أن الدعوة إلى السمع والطاعة أي عدم الخروج لا تعني السكوت وعدم إنكار المنكر بالطرق المشروعة، فمن المعروف في الشريعة الإسلامية أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساس من أسس الدين وأن من القواعد الشرعية أنه لا طاعة في المنكر لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، لذلك فإنه لا تناقض بين الأمرين، أي النهي عن الخروج مع وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالطرق الثابتة شرعاً، ومن هذه الطرق المشروعة الدعوة باللين والكلمة الطيبة، وأيضاً عن طريق مجلس الأمة، وكذلك باللجوء إلى القضاء، وغيرها من الطرق المشروعة، وهذا الأمر الذي يجب أن يشرحه علماء الشريعة من أجل منع التطرف في النهي أو التفريط في الطاعة. وكذلك على النواب اليوم أن يجمعوا بين الأمرين، أي الدعوة للإصلاح مع عدم الخروج على الشريعة أو أحكام الدستور واللائحة، ولاشك أن هذا ميسر وسهل وهو الطريق الوحيد للإصلاح، ولتكن بداية دور الانعقاد المقبل هي بداية الجمع بين الأمرين وانطلاق التشريعات ولجان التحقيق التي طالب بها بيان القوى السياسية للقضاء على الفساد، والله الموفق.