الحرب الأهلية تلوح في أفق أفغانستان

بعد إعادة إحياء الميليشيات الإقليمية المسلحة لوقف اعتداءات حركة "طالبان" الأفغانية، يبدو أن أفغانستان تتجه اليوم نحو حرب أهلية جديدة، بقيادة أمراء الحرب المجاهدين القدامى، تقاتل هذه العصابات المسلّحة إلى جانب قوات الحكومة الأفغانية في بعض المناطق، لكنها تدافع في حالات كثيرة عن معاقلها الخاصة.

خلال الأسابيع الأخيرة، حقق المتمردون بعض النجاحات الكبرى في منطقة لم تُعتبَر يوماً معقلاً لهم، ودائماً قيل إن جماعة البشتون تسيطر على حركة "طالبان" التي تتخذ من شرق أفغانستان وجنوبها قاعدة دعم لها.

استولت "طالبان" على عدد من المناطق الشمالية وحاصرت بعض البلدات الأساسية، وهي تسيطر راهناً على الطرقات الرئيسة التي تقود إلى مدينة مزار شريف، وفي مناطق عدة، تخلى الجنود التابعون للحكومة الأفغانية عن مواقعهم من دون خوض أي قتال، وفي بعض الحالات، انضم الجنود إلى المتمردين، حيث تسيطر طالبان الآن على المعبر الحدودي الأساسي مع طاجيكستان، وهو ممر تجاري محوري.

ساهمت الميليشيات في تقوية القوات الحكومية التي تقاتل "طالبان" في عدد من المناطق الشمالية، لكنها زادت قوة معاقل أمراء الحرب في الوقت نفسه، مما أدى إلى إضعاف سلطة الحكومة في كابول، فهذه الجماعات المسلّحة تصطف مع الحكومة الأفغانية ظاهرياً، لكنها قد تزيد تفكك البلد الغارق في الحرب لأسباب عرقية وتقوي زعماء المناطق.

برأي بعض المحللين، لم يكن نجاح "طالبان" في الشمال مفاجئاً، فقد رسّخت هذه الحركة مكاسبها العسكرية والدبلوماسية وحاولت أيضاً أن تكسب دعم الجماعات المحلية التي حاربتها في الماضي لطرح نفسها كحركة وطنية، وكانت "طالبان" تتكل تقليدياً على جماعة البشتون العرقية، لكنها غيّرت مسارها بكل وضوح وجنّدت عناصر من جماعات عرقية أخرى بهدف توسيع نطاق نفوذها.

تغيّرت المواصفات العرقية في الحركة إذاً بعدما بات العناصر غير المنتمين إلى جماعة البشتون يشكّلون الآن ربع مجلس قيادة "طالبان" ولجانها المتنوعة، كذلك، حصل أعضاء من الأقليات العرقية على مناصب رفيعة كحكام ظل للأقاليم والمقاطعات وقادة للمناطق، ومن خلال ضم عناصر من جماعة الهزارة الشيعية، أرادت "طالبان" أن تقبلها جميع الفئات عبر طرح نفسها كقوة متعددة الانتماءات العرقية والطائفية لتوسيع نفوذها السياسي.

عيّنت "طالبان" مثلاً رجلاً شيعياً من جماعة الهزارة كرئيس ظل لإحدى المناطق قبيل محادثات السلام بين الأفغان، وكانت حركة "طالبان" السنية المتشددة تتلقى اللوم في السابق لأنها تضطهد الأقليات في خضم سعيها إلى اكتساب السلطة، ويقيم معظم المنتمين إلى جماعة الهزارة في المقاطعات الواقعة في وسط أفغانستان.

كذلك، استغلت "طالبان" التصدعات الحاصلة في شمال أفغانستان لاستمالة رؤساء القبائل بعدما شعروا بأن الحكومة في كابول تُهمّشهم من حيث التمثيل السياسي، وانضم بعضهم إلى "طالبان" لتلقي الحماية لأنهم لا يستطيعون الاتكال على قوات الأمن الأفغانية بعد الآن، فكانت مقاربة "طالبان" مفيدة لها، فقد انضم عدد من الأقليات العرقية إليها.

على صعيد آخر، استعملت "طالبان" اتفاق السلام الذي عقدته مع الولايات المتحدة لمصلحتها، فاستمالت الجماعات العرقية المحلية، وبعد انسحاب القوات الأميركية، سيصبح الانضمام إلى "طالبان" مجدداً خياراً جدياً بالنسبة إلى عدد كبير من الأفراد والجماعات في أفغانستان، وبعدما أضعفت الخلافات الداخلية مكانة حكومة كابول، أثبتت "طالبان" درجة عالية من البراغماتية. يبدو أن عدداً من أمراء الحرب والجماعات النافذة أبرم اتفاقيات منفصلة مع المتمردين، مما أدى إلى إضعاف مكانة الحكومة في كابول مع اقتراب موعد الانسحاب الأميركي.

بعد الانتكاسة العسكرية الأخيرة، زادت الحكومة الأفغانية اتكالها على الميليشيات الإقليمية، ويُعتبر تنامي الاتكال على أمراء الحرب مؤشراً على يأس الحكومة. يذكر تقرير صادر عن الاستخبارات الأميركية أن حكومة أشرف غني في كابول قد تنهار خلال ستة أشهر بعد الانسحاب الأميركي، وقد يؤدي هذا الحدث إلى تفاقم فراغ السلطة وتفكك البلد على أساس عرقي، ولا مفر من أن ينعكس هذا الوضع سلباً على المنطقة كلها.

أكثر ما يثير القلق هو احتمال تفكك الجيش الأفغاني وانضمام الجنود المدرّبين إلى مختلف الفصائل المتناحرة، فقد كانت إدارة بايدن قد طمأنت الرئيس غني، خلال زيارته إلى واشنطن في يونيو الماضي، ووعدته باستمرار الدعم الأميركي للبلد مالياً وسياسياً وأخلاقياً، لكن قد لا يكون هذا الدعم كافياً لإنقاذ أفغانستان من الحرب الأهلية الوشيكة. باختصار، قد تندلع حرب لامتناهية ولا فائز فيها.

* زهيد حسين

زهيد حسين