لا أحد أكثر من حكومة العراق يتمنى انتهاء فصل الصيف، الذي يشهد أكبر مستوى من التصعيد مع حلفاء إيران، إلى درجة أن التسويات والتهدئات لم تعد ممكنة، رغم الوساطات الثقيلة، كما تعبر المصادر السياسية الرفيعة في بغداد.

ويبدو أن الفصائل باتت تستغل كل الظروف للنيل من حكومة مصطفى الكاظمي بشيء يخرج حتى عن حسابات إيران وصراعاتها، فقد باتت الخصومة شخصية تقريباً بين الميليشيات وفريق الحكومة، إلى درجة أحرجت الإيرانيين أنفسهم في مرات كثيرة، حسب تعبير مصدر رفيع تحدث لـ«الجريدة».

Ad

ومنذ أسابيع، يستمر التصعيد العسكري بين الفصائل والقوات الأميركية الموجودة في العراق، دون أن تنفع محاولات التهدئة، وتستغل الفصائل ذلك لتتهم الحكومة بأنها متواطئة مع واشنطن ضد ما يعرف بمحور المقاومة، ويجري ذلك بموازاة عمل حثيث لتأجيج الرأي العام ضد الكاظمي في ملف نقص إمدادات الكهرباء خصوصاً، وفصل الجفاف الذي أثر بشكل كبير على الزراعة، والكساد الاقتصادي الذي يشل سوق العراق، وليس انتهاء بأجواء الانتخابات المقرر إجراؤها الخريف المقبل.

واختطف مجهولون ناشطاً معروفاً في بغداد، الجمعة، بينما وصلت تهديدات بالجملة إلى ناشطي حراك تشرين الاحتجاجي، من طرف الفصائل، ما يعد تسخيناً جديداً قبيل الحملات الانتخابية، التي عمل حلفاء طهران بأقصى جهودهم لإبعاد حراك تشرين عن المشاركة فيها، بممارسة التهديد والخطف والاغتيالات، مما وضع حكومة بغداد في حرج شديد، وكشف عدم امتلاكها خطة لردع الجماعات المسلحة أو توفير بيئة انتخابات عادلة، في الاقتراع الموصوف بأنه الأخطر منذ سقوط نظام صدام حسين.

وتخشى الميليشيات أن تنجح الحكومة في إحراجها، كما حصل مرات عدة حين اعتقلت القوات المسلحة متورطين بهجمات صاروخية ضد أهداف مدنية، أو قادة في الفصائل متهمين بتصفية الناشطين والصحافيين، وتعمل الفصائل على إضعاف حكومة الكاظمي وتقديمه كعاجز أمام الجمهور، الذي تحمس مراراً للدولة ضد الميليشيات. وتقول مصادر رفيعة في بغداد إن الجماعات هذه مستعدة للذهاب إلى أبعد مدى، لمنع رجحان كفة التيار المعتدل قبيل اقتراع أكتوبر المقبل.

وتسخر المصادر السياسية من تبرؤ طهران من سلوك الفصائل الحليفة لها. ورداً على هذه السخرية، أخذت الفصائل تؤكد أنها تقوم بنشاطاتها المسلحة، حتى لو اختلفت مع طهران في التقديرات، وتخشى الأوساط السياسية أن يكون هذا التبرؤ مقدمة لما يوصف بأنه حماقات كبيرة قد ترتكبها بعض خطوط الميليشيات، خصوصاً من قبيل استهداف إقليم كردستان المستقر نسبياً، بالقصف المتكرر بالطائرات المسيرة، أو ضرب محطات الطاقة وخطوط نقل الكهرباء، فضلاً عن استهداف الناشطين والمؤسسات الصحافية، وتأجيج الرأي العام واختراق الاحتجاج الشعبي اليومي ضد نقص الخدمات في جنوب البلاد.

وقال أكثر من قيادي في الفصائل إن الأجواء لا تبدو مهيأة لاقتراع الخريف، مما يعكس قلقاً من نتائج الانتخابات، التي تأتي بعد أوسع احتجاج شعبي ضد هيمنة الأحزاب والميليشيات على القرارات السياسية والأمنية في البلاد، رغم أن تنسيقيات الاحتجاج تؤكد أن مناخ الاقتراع ليس عادلاً ويمكنه أن يضمن تلاعباً بمستوى يمنح حلفاء إيران نفوذاً معتبراً في مجلس النواب الجديد.

وتؤكد مصادر رفيعة أن الفصائل ستطعن في نتيجة الاقتراع بقوة وعنف، إذا لم تحصل على تمثيل جيد، كما أن حراك تشرين الشعبي سيطعن بشكل غير مسبوق بالنتائج، إذا حصل حلفاء طهران على كتلة كبيرة في البرلمان المقبل.

ويصف الخبراء الانتخابات هذه بأنها الأخطر منذ نحو عقدين، لأنها تقع ضمن أعلى مستويات للتصادم بين الدولة والجماعات الشيعية المسلحة، كما أن نتائجها قد تؤدي إلى اقتتال داخلي تشجعه كل التطورات الإقليمية، وسط تراجع الدور الأميركي في العراق والمنطقة.

محمد البصري