هل بدأت نهاية 62 عاماً من الحكم الشيوعي في كوبا؟
واشنطن تدعو النظام إلى الاستماع لشعبه وهافانا تتهمها بالسعي لإثارة اضطرابات اجتماعية
ما عجزت عنه الحرب الباردة، وحصار اقتصادي خانق لعقود، قد ينجح فيروس «كورونا» في تحقيقه. كوبا الجزيرة الكاريبية التي
لا تزال محكومة من واحد من آخر الأنظمة الشيوعية في العالم، تشهد ما يمكن أن يكون «ثورة على الثورة».
لا تزال محكومة من واحد من آخر الأنظمة الشيوعية في العالم، تشهد ما يمكن أن يكون «ثورة على الثورة».
في حدث نادر في هذه الجزيرة التي تقع في منطقة الكاريبي عند مدخل خليج المكسيك، ويحكمها الحزب الشيوعي منذ عام 1959، تظاهر، أمس الأول، آلاف الكوبيّين الغاضبين من الأزمة الاقتصاديّة، في كلّ أنحاء البلاد، هاتفين «حرّية!» و«لتسقط الديكتاتوريّة»، في حين أكدت الحكومة الكوبية عزمها الدفاع عن الثورة «بأي ثمن».وأفاد موقع «إينفنتاريو» للبيانات الصحافية بأن حوالى 40 تظاهرة سجلت أمس الأول في مناطق مختلفة من كوبا، وقد بثت في معظمها مباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.وشهدت مدينة سان أنطونيو دي لوس بانيوس أول تجمع احتجاجي. ووقعت مواجهات خصوصاً في العاصمة هافانا حيث استخدمت القوى الأمنية الغاز المسيل للدموع وأطلقت النار في الهواء وضربت بهراوات بلاستيكية المتظاهرين.
وعمد متظاهرون غاضبون إلى قلب سيارات عدة للشرطة وإلحاق الضرر بها وحصلت توقيفات عدة. ونشرت تعزيزات أمنية وعسكرية كبيرة في العاصمة ومدن عدة أخرى.ورددت الحشود التي تجمعت أمام مقار للحزب الشيوعي الوحيد المرخص له في البلاد «كوبا ليست لكم!». ومن الشعارات الأخرى أيضا «نحن جياع» و«حرية» و«لتسقط الديكتاتورية».واعتباراً من ظهر أمس الأول قطعت خدمة الجيل الثالث في جزء كبير من البلاد وأعيد العمل بها مساء.
«انا فيدل»
وأصدر الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل الذي فوجئ بهذه التظاهرات العفوية التي خرجت في مدن مختلفة من البلاد «أمراً بالنضال» إلى مؤيدي «الثورة» بقوله «ندعو جميع ثوّار البلاد، جميع الشيوعيّين، للخروج إلى الشوارع حيث ستحدث هذه الاستفزازات الآن وفي الأيّام القليلة المقبلة، وإلى مواجهتها بطريقة حازمة وشجاعة».وقال نائب وزير الخارجية الكوبي خيراردو بينيالفير «سندافع عن الثورة الكوبية بأي ثمن!» عارضاً مقطعاً مصوراً يظهر مؤيدين للنظام الشيوعي يتظاهرون حاملين الأعلام الكوبية وهم يهتفون «أنا فيدل» في إشارة إلى الزعيم الشيوعي الكوبي الراحل فيديل كاسترو الذي توفي في 2016.وزار الرئيس أمس الأول مدينة سان أنطونيو دي لوس بانيوس مهد الاحتجاجات قبل أن يتوجه إلى البلاد عبر التلفزيون الرسمي.إنها أميركا!
وفي حين أقر كانيل بشعور بعض الكوبيين «بعدم رضا» بسبب النقص في الأغذية والأدوية مع انقطاع يومي للكهرباء، اتهم أيضاً الولايات المتحدة بالوقوف وراء ما يحدث وهي عادة متأصلة لدى الحكم الشيوعي في إلقاء اللوم على واشنطن في كل شيء.وأكد أن «ثمة مجموعة من الأشخاص من المناهضين للثورة، من المرتزقة الذين يتلقون المال من الحكومة الأميركية بطريقة غير مباشرة عبر وكالات للحكومة الأميركية، لتنظيم تظاهرات كهذه»، مستحضراً بذلك الأحداث التي شهدتها الثورة الكوبية تاريخياً.ويعتقد مراقبون أن ميغيل دياز كانيل، أول رئيس بعد حكم الأسطورة فيديل كاسترو، وشقيقه راوول، سيقمعها بأي ثمن لإثبات قوته.شرارة «كورونا»
وخرجت التظاهرات في اليوم الذي سجلت فيه كوبا رقماً قياسياً جديداً يومياً من الإصابات والوفيات الناجمة عن فيروس كورونا، إذ أحصت 6923 حالة ليرتفع إجمالي الإصابات إلى 238.49 ألف إصابة، فضلاً عن 47 وفاة ليرتفع إجمالي الوفيات إلى 1537 حالة.ومنذ بداية جائحة «كوفيد 19» يضطر الكوبيون إلى الانتظار في طوابير طويلة للحصول على الطعام وباتوا يواجهون نقصاً في الأدوية، مما يتسبب في اضطرابات اجتماعية شديدة.ممر إنساني
وتتكاثر عبر شبكات التواصل الاجتماعي الدعوات والنداءات الموجهة إلى الحكومة الكوبية لتسهيل إرسال التبرعات من الخارج بما في ذلك من الجاليات الكوبية الكبيرة في اميركا وغيرها. ودعت مجموعة من المعارضين السبت إلى إقامة «ممر إنساني» وهي مبادرة رفضتها الحكومة.وقال مدير الشؤون القنصلية والمكلف ملف الكوبيين المقيمين بالخارج في المستشارية الكوبية إرنستو سوبيرون، إن «مفاهيم الممر الإنساني والمساعدات الإنسانية مرتبطة بمناطق النزاع ولا تنطبق على كوبا». ونددت السلطات بـ«حملة» تسعى إلى «تقديم صورة فوضى كاملة في البلاد لا تتوافق مع الوضع الراهن».واشنطن تراقب وتحذر
وفي واشنطن، علقت الإدارة الأميركية على الوضع في كوبا محذرة السلطات الكوبية من أي استخدام للعنف ضد «المتظاهرين السلميين».وحضّ الرئيس الأميركي جو بايدن «النظام الكوبي على الإصغاء لشعبه وتلبية احتياجاته»، في بيان أصدره البيت الأبيضن، مضيفاً: «نقف بجانب الشعب الكوبي وندائه المدوي من أجل الحرية».وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان في تغريدة «الولايات المتحدة تدعم حرية التعبير والتجمع في كل أنحاء كوبا وستدين بشدة أي عنف أو استهداف للمتظاهرين السلميين الذين يمارسون حقوقهم».وحذر السناتور الأميركي بوب مينينديس: «يجب أن يدرك النظام الديكتاتوري أننا لن نسمح باستخدام العنف لإسكات تطلعات الشعب الكوبي».وباتت العلاقات الدبلوماسية بين كوبا والولايات المتحدة بعد مصالحة قصيرة بين 2014 و2016، في أدنى مستوى لها منذ ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي عزز الحصار المفروض على الجزيرة في 1962 مندداً بانتهاكات حقوق الإنسان ودعم هافانا لحكومة نيكولاس مادورو في فنزويلا.وأغرقت هذه العقوبات، فضلاً عن غياب السياح بسبب جائحة كوفيد- 19، كوبا في أزمة اقتصادية عميقة وأدت إلى استياء اجتماعي قوي تتابعه واشنطن والقارة الأميركية عن كثب.وغرد لويس ألماغرو الأمين العام لمنظمة الدول الأميركية «نؤيد مطلب المجتمع الكوبي المشروع للحصول على أدوية وأغذية وحريات أساسية».وأضاف «نندد بالنظام الديكتاتوري الكوبي لأنه دعا مدنيين للجوء إلى قمع ومواجهة الذين يمارسون حقهم بالتظاهر».روسيا تحذِّر من أي «تدخل خارجي»
حذرت روسيا، وريثة الاتحاد السوفياتي الحليف الأكبر لكوبا، أمس، من أي «تدخل خارجي» في هذا البلد الشيوعي.وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا في بيان «نعتبر أنه من غير المقبول أن يكون هناك تدخل خارجي في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة أو أي أعمال مدمرة من شأنها تشجيع زعزعة الوضع في الجزيرة».