أجمع عدد من الأدباء في الكويت على رهافة حس ودماثة خلق الشاعر الراحل علي السبتي، وتميزه في كتابة القصيدة، مؤكدين أن رحيله خسارة للمشهد الثقافي. في البداية، تحدث د. سليمان الشطي عن المواقف الكثيرة، التي جمعته بالراحل، وأعطى مشاهد من الجانب الإنساني، ووصفه بأنه فنان في إنسانيته، واستعرض مجموعة من الصور، وقال إن صلته بالراحل مداها الزمني طويل، وفيها عمق أكثر مما يمكن أن يشرحه في هذه الجلسة، لافتا إلى أنه، من حيث الزمن، عرف علي السبتي منذ سنة 1955، وكان ذلك الوقت في آخر الطفولة وأول الشباب، وفي تلك المرحلة عرفه كاسم، كشاعر وككاتب. وأضاف الشطي أنه قدر له بعد ذلك أن يلتقيه، وأنه كان يعرف نشاطه في الحركة الأدبية، ومشاركته في تأسيس الرابطة الأدبية، لكن اللقاء المباشر معه كان في مرحلة الستينيات، موضحاً أنه «بعد جريدة الشعب كان يكتب في أضواء المدينة، وأصبح رئيس تحرير اليقظة، وأصبح كاتبا إلى آخر حياته الثرية، كاتبا وصحافيا، التقينا في مجلة أضواء المدينة فكان يحتفي بي ككاتب احتفاء غير عادي، وأذكر أنه في شهر نوفمبر أو حول هذا الشهر دعاني وجلست معه، فحدثني في فكرة إنشاء رابطة، وفي ذلك الوقت كنت رافضا لهذه القضايا. أما الدعوة الثانية لي فكانت أن أُصدر كتابي الأول أثناء الدراسة وقبل التخرج، وفعلا أخذت بالنصيحة هذه المرة وأصدرت كتابي الأول بتوصية منه قبل تخرجي».
من جانب آخر، قال د. الشطي إنه عندما نشر دراسته عن الشعر، كانت إحدى مقالاته، التي نشرها، عن الراحل ليعلق: «هنا في الرابطة أمسكني وقال لي: من أحسن ما قرأت في حياتي، ومن يريد أن يفهم شعري يقرأ ما كتبت». وختم الشطي: «علي السبتي مثل كثيرين من شعرائنا، لم يأخذوا حقهم في أن تصل كلمتهم إلى الناس، فأحمد العدواني وعلي السبتي يجب أن يكون هذا الشعر الذي أبدعاه هو المدرسة التي يدرسون من خلالها واقعنا، أتعجب أن تغيب قصائدهما من كتب وزارة التربية إلا قليلا، فشعرهما لا يدرس في مرحلة واحدة، فالمرحلة المتوسطة لها قصائد والثانوية لها قصائد، والجامعة لها قصائد. رحم الله علي السبتي، أعزي أولاده وأعزي أنفسنا به، شاعر كلما نظرنا في شعره، سنجد الكثير والكثير».
أربع نقاط
من جهته، قال الأديب د. خليفة الوقيان إنه سوف يشير باختصار شديد إلى أربع نقاط تتصل بالأستاذ علي السبتي، وتطرق إلى النقطة الأولى وهي علي السبتي الناشط السياسي والاجتماعي، ليبين أنه في هذا الجانب، الذي لم يتحدث عنه الكثيرون، كان نشطا من خلال نادي الاتحاد، الذي كان ذا طابع اشتراكي تقدمي، ومن خلال لجنة الأندية، وهذه اللجنة قامت بدور مهم جدا في دعم القضايا القومية مثل قضية فلسطين. أما النقطة الثانية فهي علي السبتي الشاعر «أظن أنه أحد أركان أو زوايا المربع الذهبي في الشعر في الكويت المكون من أحمد العدواني، ومحمد أحمد المشاري، وعلي السبتي، ومحمد الفايز». وأشار الوقيان إلى أنه تأثر بالسياب تأثرا شديدا كحال جيله، ولكنه استطاع أن يخرج من عباءة السياب على عجل، وأن تكون له هويته وشخصيته الخاصة، لافتا إلى أن قلة من الشعراء الذين استطاعوا أن يخرجوا من عباءة السياب وعباءة أدونيس فيما بعد، ذلك لأن التأثر بالأعلام الكبرى أحيانا يسيطر على جيل الشباب، فلا يستطيعون الخلاص، ولكن السبتي استطاع، وعاد إلى التراث العربي واستشق رموزا، مؤكداً أن السبتي ذو ثقافه إسلامية عميقة وبالذات في علوم القرآن والحديث.وفي نقطة علي السبتي الصحافي، قال الوقيان «كما تعلمون، عمل في أربع صحف: المجالس، والأنباء، والوطن، والسياسة، وفي كل الصحف التي عمل بها، كان يحمل هما اجتماعيا، ويناقش قضايا اجتماعية دقيقة، وبعض المقترحات التي اقترحها على السبتي أخذ بها القانون، وبدلت بعض القوانين بناء على اقتراحاته، فهو دقيق في التقاط القضايا الحساسة جدا في الجانب الاجتماعي وإبرازها وملاحقتها حتى وصولها إلى متخذ القرار». أما النقطة الأخيرة علي السبتي الإنسان، فأكد الوقيان أن إنسانيته «لم تقف عند السياب فقط، بل احتضن كل العرب الذين يقيمون في الكويت، وبصفة خاصة الفلسطينيون منهم، كان يراعي ظروفهم ويساعدهم بكل الإمكانات المتاحة».لطيف النفس
بدوره، قال الروائي وليد الرجيب: «الراحل أحب الجميع، وكان يشيع طاقة إيجابية مريحة في جلوسه وحديثه، وكان يتميز بأنه موجِز، والإيجاز برأيي أشبه بالمعجزة اللغوية، ولذلك أجمل الشعر الموجز فيه، وأجمل الكلمات والحكم هي الموجزة».أما الإعلامية أمل عبدالله فقالت: «كنا نراه ونقتدي به، فهو قامة شعرية، ورحيله خسارة كبيرة»، مضيفة أن أول معرفتها بالراحل كانت تتلمس خطواتها في الإذاعة، ومن ثم استذكرت المواقف الإنسانية التي لا تنسى للراحل، والتي تميز فيها باللطف والمحبة. وتابعت عبدالله: «علي السبتي، هذا الإنسان، هذا الرجل الذي كان إنسانا حكيما في رأيه عندما يسأل، كان عاقلا هادئا عندما يتحدث، لا يخوض مع الخائضين في كل مجال، إلا فيما يرى أنه صواب، ويؤدي إلى نتيجة، متواضعا مع الكبار والصغار، والكل لديه سواسية في الرأي، وفي عدم الموافقة في الرأي، هو الإنسان الرقيب، الأب الحنون على أبنائه في منتدى المبدعين الجدد، كان مقلا، ولكنه كان متميزاً، كان إنساناً وأورع ما تجلت إنسانيته في حنوه على الشاعر بدر شاكر السياب، وتكاد لا تفارقني أبياته الكثيرة في مجالات شتى كتبتها».احتضن الشباب
بدورها، قالت الروائية جميلة سيد علي: «الراحل كان صديقا لكل شخص، ولم يكن يميز بين شاعر أو أديب»، مستذكرة تكريم الرابطة له قبل سنوات، فكان الحضور الكثيف دليل محبة الناس له. أما الروائية هديل الحساوي فاستذكرت الموقف الأول الذي جمعها بالراحل: «عند دخولي الأول للرابطة، كان أبو فراس والأستاذ حمد الحمد هما أول شخصين تعرفت عليهما، وقرآ لي»، مؤكدة أن الراحل احتضن الشباب وقرأ لهم ودعمهم، وأنهم لم يتعلموا من الجانب الأدبي فقط، بل ومن الجانب الحياتي أيضاً.