يرد إلى ذهني تعريف ألبرت أينشتاين للحماقة، وهو «القيام بالشيء نفسه مرات متعددة وتوقع نتائج مختلفة»، حين أفكر في سلوك كل أطراف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ففي حين يبدو أن إسرائيل والإدارة الأميركية و«حماس» والسلطة الفلسطينية عازمون جميعاً على مواصلة تكرار الأخطاء نفسها مراراً، دون حتى التعلم من دروس كوارثهم السابقة، ودعوني أبدأ بإسرائيل و«حماس».فأنا لم أفهم قط ما تشعر إسرائيل بأنها تحققه من قصف غزة وتدمير المباني والمستشفيات ومحطات تحلية المياه وتوليد الطاقة، كما فعلت هذا على مدار عقود، فقد قامت بهذا أولاً رداً على التفجيرات الانتحارية الإرهابية التي حرضت عليها «حماس» داخل إسرائيل، ثم قامت بهذا بعد هجمات صاروخية تنطلق من غزة.
وتتذرع إسرائيل بحجة الدفاع عن النفس، لكن قضاة دوليين محترمين ومنظمات مرموقة لحقوق الإنسان وصفت، محقة في ذلك، قصف إسرائيل لغزة بأنه جريمة حرب بسبب ما ينتج عنه من عدد هائل من الوفيات ودمار غير متناسب، وبسبب الاستهداف المتعمد للبنية التحتية المدنية. والحجة المتعلقة بـ«الدفاع عن النفس» موضع جدل أيضاً، مع الأخذ في الاعتبار القدرة المؤكدة لدرع القبة الحديدية على صد هجمات «حماس»، والسبب الأكثر ترجيحاً للقصف الإسرائيلي هو الاعتقاد بأن استعراض القوة التي لا يمكن الوقوف أمامها ستجبر الفلسطينيين على الخضوع.ووصفت إسرائيل أحياناً هجماتها بأنها «جز للحشائش»، أي التسبب فيما يكفي من الدمار لشراء سنوات قليلة من السلام، رغم أن هذا لم يجد تماماً قط. فهذا لم يجن إلا المزيد من المعاناة والكراهية ووضع البذور للمزيد من العنف، ففي عام 2005 انسحبت إسرائيل من غزة من جانب واحد، متجاهلة مناشدات الولايات المتحدة التي أوصت بتسليم القطاع إلى السلطة الفلسطينية وفقاً للقواعد المرعية، وبالانسحاب الإسرائيلي، سقط القطاع بسهولة تحت سيطرة «حماس»، ثم فرضت إسرائيل إغلاقاً اقتصادياً خانقاً في محاولة لإجبار الفلسطينيين على الخضوع، ومنذئذ اكتسبت «حماس» قوة في المنطقة، وأثناء العقد الماضي، كان سلوك إسرائيل تجاه «حماس» متناقضاً.فأحياناً تعاقب إسرائيل السكان المدنيين بلا رحمة بسبب أعمال «حماس» وأحياناً أخرى تسمح بدخول أموال خارجية إلى «حماس»، بل دخلت إسرائيل أحياناً في مفاوضات غير مباشرة بشأن تبادل الأسرى مع «حماس»، وهو أمر رفضته مع السلطة الفلسطينية، وإسرائيل سعيدة فيما يبدو بتعزيز انقسام عميق في السياسة الفلسطينية، أي إضعاف السلطة الفلسطينية والتقليل من شأنها في جانب، وتقوية «حماس» في جانب آخر، و«حماس» من جانبها تبدو سعيدة فيما يبدو بتأدية دور المفسد.ففي أعقاب اتفاقات أوسلو، حرضت شباباً فلسطينيين على تنفيذ هجمات انتحارية وقتل عشرات الإسرائيليين في حملة ناجحة لتخريب عملية السلام الفاشلة، وهذا تمخض عن ردود فعل إسرائيلية شديدة الوطأة أودت بحياة عدد أكبر من الفلسطينيين الأبرياء، وبعد حصار وإغلاق غزة، تحولت «حماس» إلى إطلاق صواريخ بدائية الصنع مما تمخض عن نتائج دموية مأساوية مماثلة، والضحايا هم سكان غزة الذين بلا مأوى ولا عمل ويعانون اضطرابات ما بعد الصدمة وبلا أمل. وبعد الجولة الأخيرة من العنف، كان من المستفز والمثير للغيظ أن نرى زعماء «حماس» يزورون العواصم العربية في «جولة انتصار»، فكما أن القصف الهائل والقمع الشامل لن ينهيا المقاومة ضد إجحاف الاحتلال، فإن الصواريخ والتفجيرات الانتحارية لن ينهيا الاحتلال أيضا. * جيمس زغبي رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن
مقالات
الصراع الفلسطيني الإسرائيلي... تكرار الأخطاء
14-07-2021