المملكة المتحدة تحتاج إلى رابطة أمم جنوب شرق آسيا
انسحبت المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وهي تواجه وحدها اليوم مستقبلاً مجهولاً في العالم، ولتجنب العزلة يجب أن تُركّز بريطانيا جهودها راهناً على توثيق علاقاتها مع آسيا التي تشمل الاقتصادات الأسرع نمواً.تتعدد الأسباب التي تدفع لندن إلى تحويل أنظارها نحو جنوب شرق آسيا، حيث يصل مجموع الناتج المحلي الإجمالي في الدول العشر المنتسبة إلى رابطة أمم جنوب شرق آسيا إلى 2.8 تريليون دولار، وتُعتبر هذه الرابطة اليوم خامس أكبر اقتصاد في العالم والثالث في آسيا. وفي حين تواجه أوروبا والولايات المتحدة نوعاً من الجمود النسبي، تتابع رابطة أمم جنوب شرق آسيا تقدّمها، قد يكون مجموع الناتج المحلي الإجمالي في الرابطة متفاوتاً لكنه سريع الاندماج، وقد أصبح اليوم أعلى مما كان عليه في عام 2000 بأربع مرات ونصف، بشكل عام من المتوقع أن تصبح هذه الرابطة رابع أكبر اقتصاد في العالم بحلول عام 2050. إنها قصة نمو ضخمة وغير معلنة، فالمستقبل ليس مُلك الأطراف التي تنتظر تغيّر الظروف بل إنه مُلك الجهات التي تقتنص الفرص وتتطلع إلى ما وراء سواحلها وآفاقها. باختصار، يعني الامتناع عن تكثيف التجارة والأعمال مع رابطة أمم جنوب شرق آسيا تفويت فرصة ذهبية.يجب أن تحاول بريطانيا بعد حقبة "بريكست" الاستفادة من النمو التدريجي الذي شهده مجال التجارة والاستثمار بين المملكة المتحدة ورابطة أمم جنوب شرق آسيا في السنوات الأخيرة. بلغ مجموع تجارة السلع والخدمات بين بريطانيا والدول العشر في الرابطة 45.5 مليار دولار حتى نهاية الربع الثالث من عام 2020.
كذلك، انضمت بريطانيا إلى أحد الأعضاء المؤسسين للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وتُعتبر أكبر مساهِمة مشتركة في الصندوق الخاص بالمساعدات التقنية الذي تبلغ قيمته 128 مليون دولار، فقد أصبحت رابطة أمم جنوب شرق آسيا بأمسّ الحاجة إلى إنشاء بنيتها التحتية إذا أرادت متابعة نموها. ستكون خبرة المملكة المتحدة في هذا المجال موضع ترحيب إذاً.على صعيد آخر عمدت بريطانيا، منذ انسحابها من الاتحاد الأوروبي، إلى تعميق التزاماتها مع رابطة أمم جنوب شرق آسيا والدول الأعضاء فيها، فعيّنت سفيراً في الرابطة، مقرّه جاكارتا، وحاولت أن تطرح نفسها كشريكة في الحوار داخل هذه الكتلة، كذلك، سبق أن وقّعت بريطانيا اتفاقيات تجارة حرة مع سنغافورة وفيتنام، وقد زادت سهولة تلك الصفقات لأن البلدين كانا قد عقدا اتفاقاً من النوع نفسه مع الاتحاد الأوروبي، مما سمح باستعماله كنقطة مرجعية. لكن يجب أن تبرم بريطانيا اتفاقيات جديدة مع أعضاء آخرين في رابطة أمم جنوب شرق آسيا، كذلك، تقوم بريطانيا بمراجعات تجارية مشتركة مع تايلند وإندونيسيا لإبرام اتفاقيات محتملة، كما أنها تتواصل مع ماليزيا عبر لجنة مشتركة تُعنى بمسائل مثل السياسة التجارية وتسهيل الوصول إلى السوق. لكن تحرص لندن على تعميق علاقاتها مع دول المنطقة، فقد قام وزير الخارجية البريطاني، دومينيك راب، بزيارة امتدت ثلاثة أيام إلى جنوب شرق آسيا حديثاً، وشارك في اجتماعات رفيعة المستوى في فيتنام وكمبوديا وسنغافورة وركّز على مواضيع التجارة والدفاع والأمن.في الفترة الأخيرة، طلبت بريطانيا رسمياً الانضمام إلى "اتفاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ" الذي يشمل 11 دولة، ويغطّي هذا الاتفاق راهناً 13% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ستبدأ المفاوضات قريباً حول انتساب بريطانيا إلى ذلك الاتفاق، علماً أن أعضاءه يملكون في الوقت الراهن ناتجاً محلياً إجمالياً بقيمة 12.4 تريليون دولار، ومن المتوقع أن يرتفع هذا المعدل سريعاً خلال السنوات المقبلة.حان الوقت إذاً كي تتطلع الشركات البريطانية إلى جنوب شرق آسيا وتحوّل شعار "بريطانيا العالمية" إلى واقع ملموس.* إدوارد باركر