فجع العراق بالحريق المأساوي الذي نشب في مستشفى الحسين بمدينة الناصريّة جنوب العراق المخصص أيضاً لعزل المصابين بفيروس كورونا، وأدى الى وفاة 93 شخصاً على الأقل، لكنّ المأساة تحولت بسرعة الى حرب تبادل اتهامات سياسية قبل أشهر من انتخابات مقررة خلال أكتوبر، في ظل موجة من الغضب والإحباط الشعبي.

Ad

الكاظمي

وألمح رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الى عمل مدبّر، بينما ضاعف خصومه السياسيون، ومعظمهم من فصائل موالية لطهران، انتقاداتهم للحكومة وتحميلها مسؤولية الحادث.

وحذّر الكاظمي، في بيان، من انجراف السياسيين بعيداً عن المبدأ الأخلاقي والالتزام الإنساني، بفرض شريعة الغاب.

وأضاف: «وطنيتنا لا تتقبل فكرة أن يتعمّد العراقي قتل أخيه لهدف سياسي، واللعنة على كل منفعة أو منصب تجعل الإنسان يستهتر ويستخفّ بدم أخيه، ولعنة الله على كل منفعة سياسية أو مادية تجعل الإنسان يفجّر أبراج الكهرباء؛ من أجل إثبات وجهة نظره، وإفشال العاملين من أجل وطنهم».

وأكد أن «المسؤولية تتضاعف بتكرار الفواجع خلال الأشهر الماضية، تزامناً مع أزمات كبيرة بعضها طبيعي، مثل الاقتصاد، وأخرى مفتعلة مثل ضرب أبراج الكهرباء وزعزعة الأمن الداخلي ونشر الفوضى والشكوك ومنع مضيّ القرار الوطني، منبهاً إلى أن «خطوات الإصلاح ومحاربة الفساد تواجه عرقلة ممنهجة وهجمات إعلامية لإجهاضها وتشويه صورتها».

وشدد على أن حكومته «لن تتسامح مع الفاسدين أو المتلاعبين بالأرواح أياً كانت صفاتهم أو انتماءاتهم»، مجددا القول إن «خللا بنيويا في هيكلة الدولة يتطلب عملية إصلاح إداري شامل منفصل عن النفوذ السياسي».

الكعبي والخزعلي

في المقابل، قال الأمين العام لـ «حركة النجباء»، أكرم الكعبي، في بيان، إن تكرار الحرائق في المستشفيات، بالطريقة نفسها، يشير إلى وجود تقصير حكومي واضح، لافتاً إلى أن وزارة الصحة منهوبة من أياد خفية تتلاعب بمصائر الناس ومقدّراتهم.

أما الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، فقال في بيان «إن رئيس الحكومة وآخرين يبذلون كل جهدهم لمنع قصف القواعد العسكرية الأميركية، حفاظا على أرواح ومعدات الأميركيين»، متسائلا: «هل من الممكن أن يبذل هذا الجهد للحفاظ على أرواح العراقيين؟!»

تشييع وقرارات

وعلى وقع الاحتجاجات، شهدت محافظة ذي قار وعاصمتها الناصرية، أمس، مواكب تشييع ضحايا الحريق، أحدها ضم 6 من عائلة واحدة في قضاء الدواية.

وعقد مجلس الوزراء، برئاسة الكاظمي، جلسة طارئة أمس، قرر فيها توقيف وزير الصحة حسن التميمي ومحافظ بغداد ومدير صحة الرصافة وإحالتهم إلى التحقيق، وكذلك مدير مستشفى الحسين والمعاون الإداري والفني ومدير الهندسة والصيانة.

ونصت قرارات الكاظمي على تشكيل لجنة عالية المستوى برئاسة وزير الداخلية عثمان الغانمي للتحقيق بالحادث وإنجازه خلال 5 أيام، وتقديم نتائجه لمجلس الوزراء وإعلانه للجمهور.

وسبقت القرارات، التي لم تهدئ الشارع، إعلان الكاظمي الحداد 3 أيام، واعتبار الضحايا شهداء، وأمر بتشكيل فريق فني من كل الوزارات لتدقيق إجراءات السلامة بجميع المستشفيات والفنادق والأماكن العامة خلال أسبوع واحد، مؤكداً أن «ما حدث جريمة تمسّ بالأمن القومي وليس خطأ». كما أصدرت محكمة استئناف ذي قار أوامر قبض وتحرّ بحق 13 مسؤولاً من دائرة صحة المحافظة، بينهم مديرها صدام الطويل.

ولليوم الثاني تعالت صيحات المحتجين متهمة المسؤولين بالفساد والإهمال وضعف الأمن في ردّ فعل مماثل لتظاهرات خرجت عقب حريق مستشفى ابن الخطيب في بغداد خلال أبريل الماضي، والذي نجم عن السبب نفسه، وهو سوء تخزين أسطوانات أكسجين وانفجارها.

وتجددت الاحتجاجات في الناصرية، أمس، وأغلق خلالها السكان طرقا مؤدية للكثير من المستشفيات وعلّقوا لافتات كتب عليها «مغلق بأمر الشعب»، مطالبين بنقل المرضى إلى مستشفى جديد يضم 500 سرير تولت تركيا بناءه بأموال عراقية، وافتتحه الكاظمي في يونيو، لكنه مازال غير مستخدم حتى الآن.

ونصب المتظاهرون الخيام في ساحة الحبوبي مركز الاحتجاجات وسط الناصرية، للمطالبة بتحسين واقع المستشفيات، وإحالة المقصرين في حادثة حريق مستشفى الحسين التعليمي إلى القضاء، لينالوا العقاب جراء الإهمال.

قرارات وحرائق

من جهته، أصدر محافظ ذي قار، أحمد الخفاجي، 7 قرارات من بينها إعلان الحداد العام وتعطيل الدوام الرسمي 3 أيام، وتشكيل لجنة عليا للتحقيق في الحادث المأساوي، محملاً وزارة الصحة ودائرة ذي قار مسؤولية التأخير في استكمال افتتاح مستشفى الناصرية المركزي (التركي).

وقرر الخفاجي تحويل مستشفى الحسين إلى مركز عزل مصابي كورونا ونقل جميع منتسبيه فوراً إلى المستشفى التركي الجديد، وإغلاق جميع الكرفانات والاستعانة بمراكز ومشاف مجهزة، مشدداً على ضرورة توجه جميع الكوادر لموقع الحريق وتوفير الدعم والإسناد. وتكاد الحرائق تكون مشهداً يومياً في العراق، حيث تمكّن الدفاع المدني لاحقاً من السيطرة على حريق اندلع داخل حدائق جامعة واسط. وقبل ساعات من فاجعة الناصرية من إخماد حريق آخر اشتعل بمقر وزارة الصحة في مدينة الطب بمنطقة باب المعظم وسط بغداد.

وفي اليوم ذاته، أخمدت حريقاً اشتعل في معمل لصناعة الحبيبات الإسفنجية جنوب بغداد، في حين اشتعل حريق آخر في منطقة «سوق الأولى» بمدينة الصدر شرق بغداد أيضاً، كما أخمدت حريقا اشتعل في محكمة بداءة البياع، جنوب العاصمة.

وبحسب المتحدث باسم «الدفاع» جودت عبدالرحمن، فإن «بغداد أكثر المدن تعرضاً للحرائق، إذ تسجل فيها 40 بالمئة منها، وأحصي فيها 2800 حريق خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2021».

تضامن دولي

وعلى غرار الكويت، أعربت الولايات المتحدة والسعودية والبحرين ومصر ولبنان وإيران وجامعة الدول العربية عن تعازيها للقيادة العراقية، مؤكدة تضامنها ووقوفها إلى جانبها لمواجهة تداعيات كارثة مستشفى الحسين.

وفي أوج المواجهة الضارية مع الميليشيات الموالية لإيران والضغوط المستمرة على الرئيس جو بايدن للرد على استفزازاتها، أشارت «الخارجية» الأميركية أمس إلى «تقارير مأساوية من العراق»، وأعربت عن تعازيها لأسر الضحايا.

وإذ عبّر السفير الأميركي ماثيو تولر عن حزنه العميق، أكد التزام الولايات المتحدة بدعم العراق في خضمّ هذه المأساة وتداعيات جائحة فيروس كورونا.