العنصرية الإنكليزية بين الثابت والمتحول
بمحض المصادفة، كان نهائي بطولة أمم أوروبا لكرة القدم بين إنكلترا وإيطاليا، يوم الأحد الماضي، فرصة لاختبار الحالة العنصرية في إنكلترا.وكان أن فازت إيطاليا بالبطولة، عبر ضربات الجزاء، وتركت الحسرة والألم على وجوه الإنكليز، الذين لم يحصلوا على أي بطولة رئيسة منذ فوزهم بكأس العالم سنة 1966.كانت فرصة تاريخية للإنكليز، لكنّها ضاعت بسبب إهدار 3 لاعبين إنكليز سود للأهداف. وقد صار وجود اللاعبين السود في منتخبات الفرق الأوروبية ملحوظاً وكبيراً، وبالطبع هم لم يصلوا إلى المنتخب بسبب لونهم، بل بسبب كفاءتهم.
حتى الآن والمسألة عادية، إلا أنه ما إن انتهت المباراة بهزيمة إنكلترا حتى اشتعلت وسائل التواصل الإلكتروني بكمّ هائل من العبارات العنصرية البذيئة ضد اللاعبين الإنكليز السود، وضد السود عموماً. ولكن ماذا لو كان اللاعبون السود قد أحرزوا الأهداف وجلبوا الكأس التاريخية لإنكلترا؟الاستجابة المضادة في بريطانيا كانت مؤشراً على الرغبة في التغيير، وليست دليلاً على انتهاء العنصرية. فجاءت ردود الفعل على المستويين الرسمي والشعبي على مستوى الحدث، بدءاً بالعائلة المالكة، إلى رئيس الوزراء البريطاني وعدد من وزراء حكومته ونواب البرلمان، إلى رئيس اتحاد الكرة، إلى أفواج من اللاعبين والمنظمات الحقوقية، تستنكر ما جرى، بل إن "فيسبوك" ألغى عدداً كبيراً من التعليقات العنصرية، وأغلق حسابات عنصرية. ماركوس راشفورد، وهو ممن تعرّضوا للشتم، ولاعب مانشستر يونايتد، ومؤيدوه، أسسوا صندوقاً لمناهضة العنصرية، وكان هدفهم الحصول على 2000 جنيه إسترليني، إلا أنهم حصلوا خلال فترة وجيزة على أكثر من 20 ألفاً، حتى يوم أمس، وربما زاد على ذلك بكثير.وراشفورد هذا مواطن بريطاني مشغول بالهمّ العام، فحين قررت الحكومة إيقاف التغذية المدرسية منذ فترة قريبة، وهي التي يستفيد منها التلاميذ الفقراء، نظّم حملة إنشاء صندوق لدعم التغذية المدرسية، وكان التجاوب مذهلاً حتى ألغت الحكومة ذلك القرار.على منوال مشابه، أعلنت الحكومة البريطانية نيّتها تخفيض برامج مساعداتها للدول الفقيرة، فتعرّضت لنقد واسع، فما كان من كبريات المنظمات الخيرية إلّا أن دشنت حملة واسعة لسد النقص.العنصرية لا دين لها ولا جنسية، بل هي حالة ذهنية، تعبير عن الخوف، الذي يتحول إلى نظرة دونية للآخر، ومع تراجع الاقتصاد، تصبح أكثر حدة.العنصرية موجودة لدينا، كما أنها موجودة لديهم، والشجاعة ليست في تصعيد خطاب الكراهية، بل في القدرة على تغيير الجمود العنصري، وقبول الآخرين والتعايش معهم مهما كان لونهم أو جنسيتهم أو دينهم أو عرقهم. حينها تصبح الحياة أكثر نفعاً وتعددية واستقراراً.