تشير الأرقام التي نشرتها وزارة الصحة، الأسبوع الماضي، بشأن مدى اتساع عملية توزيع اللقاحات في المجتمع الكويتي إلى إخفاق جديد للسلطات الصحية في مواجهة الجائحة، بكل ما يترتّب على هذا الإخفاق من أضرار اقتصادية وتجارية، فضلاً عن التنموية، لاسيما المرتبطة بالتعليم مثلا.فبعد نحو 16 شهرا من اكتشاف أول حالة «كورونا» في الكويت، وما تبعها من إجراءات مشددة تمثّلت في تطبيق الحظر الجزئي مرتين، و«الكلي» مرة، مع سياسات إغلاق كامل أو مبكر، وفرض اشتراطات على المجمعات التجارية والأسواق والعديد من الأنشطة التجارية، جاءت البيانات الرسمية لوزارة الصحة لتبين الإخفاق الجديد في التعامل مع الجائحة هذه المرة في ملف التطعيم، بعد نحو 7 أشهر من انطلاقه، بعد أن سجّلت إخفاقا سابقا كان له أثر عميق في تفشي الجائحة، عندما تهاونت في مسألة تكثيف «المسحات» لتعقّب انتشار الوباء، لاسيما بين العمالة الهامشية التي تعاني، حتى اليوم، تأخّر حصولها على اللقاح.
أرقام رسمية
فأرقام وزارة الصحة المعلنة بتاريخ 4 الجاري تشير الى أن إجمالي عدد جرعات لقاح «كوفيد- 19» المقدّمة منذ بداية حملة التطعيم في 24 ديسمبر 2020 بلغ أكثر من 2.375 مليون جرعة، بواقع 1.452 مليون شخص تلقّوا جرعة واحدة على الأقل من اللقاحين المعتمدين، بما يعادل 31.6 في المئة فقط من إجمالي سكان الكويت، في حين بلغ مجموع عدد من تلقّى جرعتين أكثر من 923 ألف شخص، أي ما يعادل 20 في المئة من سكان الكويت، في وقت تستهدف السلطات الصحية، حسب تصريحاتها الرسمية، تطعيم 2.7 مليون شخص من المؤهلين للتطعيم حاليا، أي ما يوازي 58 في المئة من السكان للوصول الى المناعة المجتمعية تجاه الوباء، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الكويت لم تبدأ حتى الآن بتطعيم الفئات السنيّة من 12 الى 16 عاما، الذين بدخولهم ضمن الفئات المستهدفة للتطعيم، سيرتفع العدد المطلوب لتحقيق المناعة المجتمعية ربما الى 3.5 ملايين شخص.مقارنة خليجية
وبالمقارنة مع الدول الخليجية الأخرى، نجد أن الكويت تأتي في قاع قائمة تغطية عملية توزيع اللقاحات على المجتمع، بنسبة 31% للجرعة الأولى، و20% للثانية، في حين أن مملكة البحرين أعلنت أن 80% من سكانها تلقوا جرعتين من اللقاح، وسلطنة عمان أعلنت أن 76% من سكانها تلقوا جرعة واحدة من اللقاح، و22% جرعتين، والإمارات 83% للجرعة الواحدة، و64% للجرعتين، وقطر 50% لجرعة واحدة و32% لجرعتين، في حين كشفت السعودية أن 70% من سكانها تلقوا جرعة واحدة على الأقل، دون أن تكشف نسبة من تلقوا الجرعتين.لوجستية لا صحية
وربما يقول قائل: كيف يمكن مقارنة الكويت بدول اعتمدت أنواعا متعددة من اللقاحات الأقل موثوقية، مقارنة بما اعتمدته الكويت من لقاحات عالية الثقة كأسترازينيكا وفايزر؟ ورغم أن السعودية مثلا تعتمد لقاحات مماثلة للقاحات المعتمدة في الكويت «أسترازينيكا وفايزر»، فإن المملكة تفوّقت على الكويت بفارق كبير بمقارنة الجرعة الأولى بـ 70% مقابل 31%.وفي المجمل، فإنّ الحديث عن مدى تغطية التطعيم للمجتمع ليست مسألة طبية، بل لوجستية تتعلق بمدى قدرة الدولة على تغطية أكبر شريحة ممكنة في المجتمع، أكثر من أنها عملية مرتبطة بجودة اللقاحات من عدمها، أي أنها مسألة مرتبطة بجودة الادارة وقدرتها على التعامل مع الأزمات أكثر من كونها مسألة طبية.وعلى الصعيد العددي، نجد أن الكويت استوردت منذ انطلاق التطعيم حتى تاريخ إعلان الجرعات في 4 الجاري ما يتجاوز 4 ملايين جرعة من لقاحي أسترازينيكا وفايزر، تم استخدام 2.375 مليون جرعة منها فقط، مما يشير إلى بطء عمليات تمنيع المجتمع، وهي عملية لوجستية محضة ترتبط بكفاءة وزارة الصحة في تغطية الفئات المستهدفة في التطعيم.«حالة»... لا مواطن أو مقيم
وحتى بشأن الفئات المستهدفة، ثمّة شكوك بشأن مدى تقيّد «الصحة» بالمعايير العلمية في توزيع اللقاحات التي تراعي مثلا الحالة الصحية أو الفئات العمرية، والتعامل مع الجميع كـ «حالة»، لا كمواطن أو مقيم، إذ إن شريحة كبيرة من العمالة الهامشية، التي تعتبر بؤرة تفشي الفيروس في المجتمع، بسبب سوء أوضاعها المعيشية والصحية، لم تتلقّ أي جرعة من اللقاح حتى الآن، ناهيك طبعا عن شرائح أخرى لم تسجّل ضمن برنامج التطعيم، بسبب ضعف التوعية، أو لعدم رغبتها في التعامل مع «الدولة»، لكونها من العمالة المخالفة لقانون الإقامة.الأعمال التجارية ضحية
هذه البيانات تشير إلى أن الأعمال التجارية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة تحديدا باتت ضحية لإخفاق المنظومة الصحية في التعامل مع أزمة «كوفيد - 19»، إذ لم يعد لأصحاب هذه المشاريع الكثير من القدرة على مقاومة الآثار السلبية لقرارات إغلاق الأنشطة، ولو جزئياً ولا حتى حظر التجول، وما يترتب عليهما من خسائر مالية تمتد آثارها إلى قطاعات أخرى مهمة، كالبنوك والعقار، وأيضاً استثمارات مئات الآلاف من المواطنين مدخراتهم في البورصة، وصولا الى اتخاذ مجلس الوزراء قرارات هذا الأسبوع تتعلّق بإغلاق أي أنشطة للأطفال، بكل ما لهذا القرار من تداعيات مالية على المستثمرين، ونفسية على الأطفال، تمتد في ظل التباطؤ بتمنيع المجتمع الى مخاطر تعليمية تتعلق بعدم إمكانية عودة الدراسة الى طبيعتها كليا أو جزئيا العام الدراسي المقبل.في ظل وجود اللقاح وتوافره، لسنا في موقع المفاضلة الصعبة، كما كنا في بداية الجائحة بين صحة الناس ومصالحها، إنما في موضع التحذير من خطورة البطء في تغطية الفئات المستهدفة من التطعيم على الصحة والاقتصاد ومجمل أوجه الحياة، فدول العالم كلها تخلّت أو حجّمت برامج التحفيز الاقتصادي التريليونية، بالتوازي مع التوسع في عمليات التمنيع ضد الوباء، في حين أننا في الكويت لم نفلح في تقديم برنامج تحفيز اقتصادي واحد ناجح خلال الجائحة - لم يستفد من قانون الضمان المالي أيّ مستثمر - ولم ننجح في تحقيق أي درجة متقدمة من المناعة المجتمعية.