ربيع كوبي جديد أم «مرتزقة»؟!
في اليومين الأخيرين من جولة قمت بها في كوبا عام 2018 كان السؤال الذي يشغلني، بعد مشاهدة الوقائع على الأرض والاستماع إلى وجهات نظر مختلفة: إلى أين سيذهب هذا البلد بالتغيير؟ يومها أنهيت الكلام في استطلاع موسع نشرته مجلة "العربي"، أن مسألة التغيير أصعب وأعقد من فتح محل "ماكدونالدز" أو السماح لفئة محددة باستيراد السيارات من الخارج، وحتى إدخال بعض التعديلات على قانون الاستثمار. نحن أمام نظام "وحيد" في العالم، مضى عليه أكثر من ستين عاماً، كانت فيه الدولة هي كل شيء بالنسبة إلى المواطن، تقدم له التموين كل شهر "بطاقة تموينية تشبه حالة الكويت في أحد وجوهها"، والصحة والتعليم ومعظم الخدمات تقريبا وبالمجان، وتلك أنماط من الأنظمة لم تعد موجودة، فالاتحاد السوفياتي نفسه وبعظمته تعرض للتفكيك واستدار نحو الانفتاح على الأسواق العالمية، وأدار ظهره للفكرة الشيوعية، كذلك فعلت الصين تقريباً.. ولهذا كان الأمر غريباً بعض الشيء أن تحافظ كوبا على نظامها.
كان التخوف في حينه، أن تتحول هذه الجزيرة إلى روسيا ثانية أو رومانيا أخرى علماً أن "النظام" ممسوك وبإحكام لكنه غير مضمون العواقب، ما نشهده هذه الأيام كان مفاجئاً لبعض المراقبين، لكنه قد يكون حدوثه أمراً طبيعياً، وإن كانت أوجه الاختلاف "بحجم التغيير" وتوقيته هما الفارق. خرجت كوبا إلى العالم بثوب مختلف أثناء أزمة كورونا أرسلت 32 فرقة طبية جالت في معظم الدول الغربية والخليجية وغيرها، وأظهرت قدرات علمية وطبية كانت محل حسد الكثيرين لاسيما في قدرتها على السيطرة على "الوباء" والحد من خسائرها بصورة ملحوظة، أضف إلى ذلك إعلانها قبل أشهر عن تصنيع لقاح أطلقت عليه اسم "عبدالله" كي تلحق بركب الدول الصناعية المتقدمة. فجأة انهارت تلك الأسوار وبدت الصورة مغايرة تماماً، فشوارع هافانا تشبه شوارع بيروت وبغداد! ومظاهر الاحتجاج وأصوات الشعب المطالبة بالتغيير، تسمع لأول مرة في تاريخ هذا النظام الذي أنهى فترة حكم "الكاستروية" قبل سنة تقريباً، ذلك الرمز الذي قاد كوبا منذ الثورة على باتيستا في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي. "الفيداليسم" كما يسميها البعض، نسبة إلى فيديل كاسترو، ودّعت البلاد ليتسلمها "أبناء الثورة" من بعده، وها هي اليوم أمام الاختبار المصيري والفاصل، فالكوبيون وكما تنقل وكالات الأنباء يقفون في الطوابير للحصول على الطعام ويواجهون نقصاً جاداً في الدواء، ويرفعون شعار "نحن جياع"! كان من الطبيعي أن تتبادل أميركا وروسيا بيانات التخويف ورسم حدود المصالح في هذه الجزيرة لكن من غير الطبيعي أن تختزل التظاهرات "بمرتزقة" تمولهم الولايات المتحدة، فما حدث كما يصفه المسؤولون عبارة عن "فوضى واضطرابات ناجمة عن عملية إعلامية جرى إعدادها خلال فترة محددة صرفت لها الملايين"!المشهد يقول إن من خرج للتظاهر من جيل الشباب المتأثرين بثورة وسائل التواصل الاجتماعي والمنقطعين عن "كاسترو وغيفارا"... هؤلاء لديهم أحلامهم ومطالبهم، والعقدة الأميركية في عقلية الكوبيين ما زالت تفعل فعلها، ولديهم اعتقاد راسخ أن اللاعب الأميركي ليس ببعيد عما جرى، بدليل أن المحطات الإسبانية التي تبث من أميركا نقلت الأحداث لحظة بلحظة!أيا كانت الدواعي، فقد وضعت كوبا على سكة التغيير، فهل سنشهد "ربيعاً كوبياً" على غرار الربيع العربي؟