أعلنت حركة "طالبان"، التي تشن منذ شهرين هجوماً على جبهات عدة ضد القوات الأفغانية، سيطرتها على معبر "تشمن" الحدودي الرابط بين باكستان وأفغانستان، والذي يعتبر أحد المعابر الرئيسية بين ولاية قندهار الأفغانية وإقليم بلوشستان غربي باكستان، وكانت تمر منه معظم مواد الدعم اللوجستي الخاصة بالقوات الدولية العاملة في أفغانستان، خلال الأعوام الـ20 الماضية.

وبذلك أصبحت "طالبان" تسيطر على ثالث معبر حدودي رئيسي تسيطر عليه الحركة الإسلامية المتشددة، مسجّلة تقدماً جديداً منذ تسريع القوات الدولية انسحابها من أفغانستان.

Ad

ورغم إعلان وزارة الداخلية الأفغانية، أن "القوات الأفغانية صدّت هجوم طالبان"، أكد مصدر أمني باكستاني أن راية "طالبان" البيضاء رُفعت في البلدة الحدودية.

كما انتشرت على وسائل التواصل صور لمقاتلي "طالبان"، وقد بدا عليهم الارتياح فيما يبدو أنها بلدة حدودية.

وإذا تأكدت السيطرة على المعبر فسيكون التقدم الأحدث، الذي تحرزه الحركة المتشددة بعد السيطرة على "إسلام قلعة"، أهم معبر حدودي أفغاني مع إيران، وعلى شير خان بندر، المعبر الحدودي الرئيسي بين أفغانستان وطاجيكستان.

ويعد المعبر الحدودي أحد أكثر المعابر أهمية من الناحية الاستراتيجية بالنسبة لـ"طالبان"، إذ يمكن الوصول عبره مباشرة إلى إقليم بلوشستان الباكستاني، حيث تتمركز قيادة "طالبان" منذ عقود، وينتشر عدد غير معروف من المقاتلين الاحتياطيين الذين يُرسلون إلى أفغانستان للقتال.

وأكد مسؤولون أفغان أن قوات الحكومة تصدت لمقاتلي طالبان ودفعتهم للتراجع. وقال مسؤولون في "تشمن" إن طالبان أوقفت حركة السفر عبر البوابة.

وقال شفيق الله أتاي، رئيس غرفة التجارة والاستثمار الأفغانية في العاصمة كابول، إن السيطرة على النقاط الحدودية يسمح لطالبان بجمع إيرادات. وأضاف "بدأت الإيرادات تذهب إلى طالبان".

الجانب الباكستاني

وبعد ساعات من إعلان سقوط المعبر، أفاد مصدر أمني باكستاني أنه شوهد نحو 150 من مقاتلي "طالبان" يركبون دراجات نارية ويلوّحون برايات الحركة البيضاء، خلال مطالبتهم بالسماح لهم بالعبور إلى أفغانستان.

وبلوشستان وجهة يقصدها المقاتلون لتلقي العلاج الطبي، وتعيش فيها عائلات كثير منهم.

ويربط طريق سريع رئيسي الحدود بالعاصمة التجارية الباكستانية كراتشي ومينائها الواسع على بحر العرب، والذي يُعد ركيزة أساسية لتجارة الهيروين الأفغاني، التي تدر مليارات الدولارات، وشكلت مصدرا أساسيا لتمويل حرب "طالبان" على مر السنين.

على صعيد آخر، قال عمر الله صالح، نائب الرئيس الأفغاني، على "تويتر" إن طالبان تجبر المنتمين لجماعة عرقية صغيرة على اعتناق الإسلام أو ترك منازلهم في إقليم بدخشان في شمال البلاد.

وأضاف: "هؤلاء هم أقلية القرغيز الذين عاشوا هناك قرونا... إنهم الآن في طاجيكستان ينتظرون مصيرهم".

ولم يتسن بعد الحصول على تعليق من متحدث باسم طالبان، لكن بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان قالت إن قلقها يتزايد إزاء تقارير عن انتهاكات لحقوق الإنسان مع اتساع نطاق القتال.

وقالت البعثة، في بيان، "التقارير التي تتحدث عن أعمال قتل وسوء معاملة واضطهاد وتمييز منتشرة ومقلقة وتثير الخوف وعدم الأمان".

وأضافت: "أفضل طريقة لكف الأذى عن المدنيين هو إعادة تنشيط محادثات السلام للتوصل إلى تسوية عبر التفاوض".

وبينما زار القائد العام للجيش الإيراني اللواء عبد الرحيم موسوي، صباح أمس، نقطة حدودية بين إيران وأفغانستان وتفقد الوحدات العسكرية الموجودة على الحدود، قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي لأفغانستان، مدير قسم آسيا بوزارة الخارجية، زامير كابولوف، أمس، إن "روسيا وكل المجتمع الدولي لن يقبلوا بإعادة تأسيس إمارة إسلامية في أفغانستان"، مشدّداً على أن أي محاولة من "طالبان" للإضرار بأمن حلفاء روسيا في منطقة آسيا الوسطى ستكون محفوفة بخسائر كبيرة للحركة.

وبعد أسبوع على زيارة وفد من الحركة لموسكو سعياً لطمأنتها بأنها لن تسمح باستخدام أفغانستان قاعدة لمهاجمة الآخرين، أعرب كابولوف عن قلق روسيا إزاء إمكانية استغلال تنظيم "داعش" الإرهابي لفوضى الحرب شمال أفغانستان، الا أنه اعتبر أن "طالبان هي العدو اللدود للدواعش، فهم يكرهونهم ولا يأخذونهم أسرى، بل يقضون عليهم.

وبحسب تقديراتنا، فقد بقي في الشمال نحو 4 آلاف من مسلحي داعش".

منظمة شنغهاي

وبينما حذّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أن أفغانستان على شفا أزمة إنسانية أخرى، حيث يتسبب الصراع المتصاعد بارتفاع عدد الضحايا المدنيين، ويدفع مئات الآلاف إلى الفرار، دعا وزراء خارجية الدول الأعضاء في "منظمة شنغهاي للتعاون" في بيانهم الختامي، أمس، أطراف النزاع في أفغانستان إلى الامتناع عن استخدام القوة والإجراءات التي قد تؤدي إلى عواقب لا يمكن التنبؤ بها على حدود الدول الأعضاء في المنظمة.

وشدّد البيان على أن "وزراء خارجية منظمة شنغهاي يؤيدون تشكيل أفغانستان كدولة مستقلة ومحايدة وموحدة وسلمية وديمقراطية ومزدهرة، وتحقيق السلام والاستقرار في هذا البلد من أهم الأمور لضمان الأمن في منطقة منظمة شنغهاي".

بريطانيا

في غضون ذلك، أعلن وزير الدفاع البريطاني بن والاس في مقابلة نشرتها، أمس، صحيفة "تيلغراف"، أن بلاده "ستتعامل مع طالبان، إذا دخلت إلى الحكومة بشرط أن تحترم بعض المعايير الدولية، لكن كما يحصل بالنسبة للحكومات الأخرى في العالم، اذا تصرفت بشكل يتعارض بشكل خطير مع حقوق الإنسان، فسنعيد النظر في علاقتنا".

وفيما لا تزال المفاوضات الرسمية التي أطلقت في الدوحة في جمود، دعا والاس "طالبان" والرئيس الأفغاني أشرف غني "إلى العمل معا من أجل إقرار الاستقرار في البلاد بعد عقود من النزاع".

محادثات الدوحة

وفي هذا السياق، نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن مصدر حكومي أفغاني، أن وفدا رسميا سيتوجه إلى الدوحة غداً، لإجراء محادثات مع حركة "طالبان"، ومسؤولين قطريين.

وذكرت الوكالة أن الوفد، الذي سيبحث التوصل إلى حل للأزمة، يضم الرئيس السابق حامد كرزاي ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية عبدالله عبدالله، إضافة إلى مسؤولين آخرين بينهم نائبان سابقان للرئيس الأفغاني هما يونس قانوني وكريم خليلي.

وكان كل من كرزاي وعبدالله قالا، أمس الأول، في مؤتمر صحافي، إن محادثات السلام تدخل "وضعا خطيرا".

إلى ذلك، تبدأ الولايات المتحدة في الأسبوع الأخير من يوليو إجلاء الأفغان الذين ساعدوا الجيش الأميركي وعائلاتهم بواسطة طائرات، وفق ما أعلن مسؤول أميركي كبير.

جورج بوش «حزين»

انتقد الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش الابن، أمس، انسحاب القوات الأميركية والأطلسية من أفغانستان، قائلا إن المدنيين الأفغان يُتركون ليُقتلوا على أيدي "طالبان".

وأضاف بوش: "ستعاني النساء والفتيات الأفغانيات من أذى لا يوصف. هذا خطأ... سيبقين فقط ليُذبحن من هؤلاء الناس الوحشيين للغاية، وهذا يحطم قلبي".

ولفت الرئيس الجمهوري السابق، الذي أرسل القوات الأميركية إلى أفغانستان في خريف عام 2001 بعد هجمات 11 سبتمبر، إلى أنه يعتقد أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل "تشعر بالشعور نفسه".