على العكس من أسلوب سباق 100 متر الذي يحاول فيه المتسابقون إبراز كامل قوتهم البدنية في الجري منذ الثانية الأول من السباق حتى نهايته، نجد أن المتسابقين في رياضة اختراق الضاحية أو الماراثون أو (Cross Country Running) أو سباقات المسافات الطويلة (أحياناً أكثر من 42 كيلومترا)، يحاولون فيه الهرولة ببطء خلال الكيلومترات الأولى من السباق من أجل الاحتفاظ بلياقتهم البدنية للمراحل المتقدمة من السباق، ثم يزيدون من وتيرة سرعتهم تدريجياً عند الكيلومترات التالية، وأحياناً يواصلون الجري بتلك الوتيرة البطيئة نفسها لتوفير طاقتهم وقوتهم الجسمانية وسرعتهم للكيلومترات الأخيرة. هذه الزيادة التدريجية في السرعة التي تخفي هوية بطل السباق حتى الرمق الأخير تذكرني بالمبدأ الإداري "لا تدعهم يرونك قادما" أو (Don’t let them see you coming)، والتي يستخدمها القياديون الطامحون إلى تقلد مناصب رفيعة. اليوم وبعد استعراض مراحل تطور الكويت ونموها منذ مطلع خمسينيات القرن العشرين وصولاً إلى ما نحن عليه اليوم، يذكرنا هذا التقدم المتسارع بالمشتركين في سباق مئة متر، الذين يستهلكون كل طاقتهم على مدار السباق القصير من أجل الفوز، إذ إن الكويت اكتشفت فجأة أنه سباق ماراثون يتطلب الاحتفاظ باللياقة البدنية لاستخدامها في نهاية السباق لا استنفاد كامل القوة الجسمانية من أجل الفوز على المتسابقين من الدول المشاركة في السباق.
خلال فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كان يطلق على دولة الكويت (الكويت الحديثة)، وكان يرددها الكويتيون بشيء من الفخر والاعتزاز لما أنجزه بلدهم من تقدم في مضمار التعليم والصحة وفي مجال البنية التحتية، مقارنة بكثير من الدول العربية، ودول الخليج ليست استثناء. كانت جامعة الكويت حينها تحتل مراتب متقدمة بين الجامعات العربية، في وقت كانت بعض الدول العربية ترسل أبناءها إلى الكويت للتحصيل العلمي لافتقارها للدراسة الجامعية، وكانت جامعة الكويت آنذاك تستقطب الكفاءات العلمية للتدريس فيها، وتشجع أبناء الدول العربية والإسلامية للدراسة فيها من خلال المنح الدراسية المجانية. اليوم وبعد التراجع الكارثي للمرتبة الأكاديمية لجامعة الكويت بين قائمة الجامعات العالمية، وبعد الانحدار الصاروخي في الخدمات التعليمية والصحية، وبعد أن كنا في مقدمة "المتنافسين" في كثير من المجالات الحياتية، يبدو أن اشتراكنا كان في السباق الخطأ، أو يبدو أننا لم نعرف أبجديات التنافس "الوطني"، فاستنفدنا كل قوانا "الوطنية" في بداية انطلاقتنا النهضوية، واكتشفنا متأخراً، وبعد أن خارت قوانا، أننا نقبع في آخر الركب، وإذا كان يطلق على بلادنا "دولة الكويت الحديثة" خلال خمسينيات وستينيات القرن المنصرم، وكنا نسابق الريح في إنجازاتنا حينذاك، تاركين دولاً عربية كثيرة خلفنا، وكنا نحاول منافسة الدول المتقدمة في الخدمات الحكومية، صدمنا في خضم انشغالنا بتقدمنا الزائف، بأن أغلب الدول التي كنا متقدمين عنها، قد سبقتنا بمراحل، وتركتنا نبكي على اللبن المسكوب. المشكلة ليست في تأخرنا عن الركب، ولكن في مواصلة استحضار الزمن الجميل الذي ولى، وتغييب أنفسنا عن الحاضر المؤلم.
مقالات - اضافات
بقايا خيال: دولة الكويت وسباق اختراق الضاحية
16-07-2021