رغم أن مقتدى الصدر يوصف بأنه أكثر طرف سياسي في العراق يلجأ إلى خيار المقاطعة، فإن إعلانه، أمس، الانسحاب من الانتخابات النيابية المقررة في أكتوبر المقبل، أدى إلى تحريك سيناريو تأجيل الاقتراع برمته، وسط تصعيد في مستواه الأقصى بين الفصائل المسلحة وحكومة مصطفى الكاظمي، التي يدعمها الصدر.وطوال الأسابيع الماضية، أعلن زعيم التيار الصدري أنه يتعرض للاستهداف، متهماً خصومه باستغلال وجود مسؤولين محسوبين عليه في وزارات مثل الكهرباء والصحة، وهي مؤسسات شهدت كوارث وانهيارات عديدة منذ مطلع الصيف، تارة بسبب هجمات منسقة، وأخرى نتيجة قطع إيران الغاز، بنحو أخرج عن الخدمة نصف محطات الكهرباء العراقية.
وبغض النظر عن احتمال أن يعيد الصدر النظر في قرار الانسحاب، فإنه يعد عملياً أبرز طرف يلتحق بدعوة المقاطعة، التي أطلقها «حراك تشرين» الشعبي، والذي أعلن عدم توفر بيئة تنافسية عادلة تضمن انتخابات نزيهة، بسبب نفوذ الفصائل الموالية لطهران.وحظيت المقاطعة بتضامن من قوى مثل الحزب الشيوعي وحركات مدنية.وذكرت أوساط سياسية رفيعة، أن اتصالات مكثفة جرت بين الصدر والكاظمي طوال الأيام القليلة الماضية، خلاصتها شعور الأول بأنه يتحول إلى كبش فداء للصراع الحزبي، ويتعرض مريدوه لضغوط للاستقالة من مناصبهم أو المحاسبة على انهيارات الدولة، بينما لا تتمكن الحكومة من ملاحقة خلايا الصواريخ والطائرات المسيّرة والذين يستهدفون المطارات ومحطات الكهرباء، وقد يتهمون أحياناً بالضلوع في تدبير كوارث داخل المؤسسات الصحية أدى بعضها إلى مقتل وإصابة نحو 400 عراقي في أبريل الماضي ويوليو الجاري.
وكجزء من الضغوط، التي يفضلها الصدر على خصومه، فإنه يقرر الانسحاب بثقله الشعبي الكبير، من الحكومات أو عمليات الاقتراع كي يدفعهم نحو تخفيف الضغط الممارس ضده.وفي طليعة ردود الأفعال، وجهت «حركة سيد الشهداء»، وهي فصيل بارز متحالف مع إيران، مناشدة إلى الصدر كي يعدل عن قرار الانسحاب، لكن هذه الحركة نفسها جزء من التصعيد إذ تؤيد الهجمات ضد المطارات والقواعد الأميركية وتحدثت عن إمكانية توسيع العمليات إلى حدود السعودية والأردن والكويت. وسبق لهذه الحركة أن ذكرت الأسبوع الماضي، أن الأوضاع الأمنية وانهيار الخدمات قد يمنعان إجراء الاقتراع. وانتقدت فصائل أخرى القرار. ولم تستبعد أوساط سياسية حتى قبل إعلان الصدر، أن تضطر الحكومة لتأجيل الانتخابات إلى الربيع المقبل، وسط تصاعد التوتر الأمني، على وقع خلافات متزايدة بين طهران وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حول محادثات فيينا.كما أشارت مصادر سياسية في بغداد إلى أن حراك تشرين ينوي تنظيم احتجاجات واسعة في الذكرى الثانية لانطلاقته، تطالب بالكشف عن جماعات العنف التي قتلت نحو ٨٠٠ من الناشطين منذ عام 2019، وهو أمر، إن حصل، فسيتزامن مع توقيت الانتخابات وقد يمنع حصولها عملياً.وحسب التقديرات، فإن حلفاء طهران سيطعنون في اقتراع أكتوبر؛ إذا لم يحصلوا على تمثيل سياسي كافٍ في البرلمان، كما أن معارضي طهران سيطعنون في شرعية الاقتراع، إذا حصلت الفصائل على تمثيل سياسي واسع يمكنه أن يزيد تعقيد العلاقة المختلة بين الدولة والميليشيات، في انتخابات توصف بأنها الأصعب منذ سقوط نظام صدام حسين.