وسط أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة تعصف بسورية، التي تشهد نزاعاً دامياً منذ أكثر من عشر سنوات، أدى الرئيس بشار الأسد، أمس، اليمين الدستورية لولاية رئاسية رابعة من سبع سنوات، ملقياً في خطاب القسم باللوم في ما تشهده سورية على مصارف لبنان المتعثرة بالدرجة الأولى ثم العقوبات الأميركية والأوروبية في الدرجة الثانية.

وقال الأسد، في خطاب ألقاه إثر قسمه على نسخة من الدستور والقرآن الكريم في احتفالية ضخمة أقيمت في قصر الشعب بدمشق أمام أعضاء مجلس الشعب وبحضور أكثر من 600 ضيف، بينهم وزراء ورجال أعمال وفنانون ورجال دين وإعلاميون، إنّ "نتائج الانتخابات أثبتت قوة الشرعية الشعبية التي يمنحها الشعب للدولة وسفّهت تصريحات المسؤولين الغربيين حول شرعية الدولة والدستور والوطن".

Ad

وفي خطاب القسم، الذي قوطع مراراً بالتصفيق والهتافات المؤيدة وأبيات الشعر، حدد الأسد توجهاته في السنوات السبع المقبلة، معتبراً أنه "خلال عشر سنوات ونيف من الحرب كانت هواجسنا متعددة فطغت الأمنية منها والخوف على وحدة الوطن، أما اليوم فجلها حول تحرير ما تبقى من الأرض ومواجهة التداعيات الاقتصادية والمعيشية للحرب".

وكرر دعوته "لكل من راهن على سقوط الوطن وانهيار الدولة أن يعود لحضن الوطن لأن الرهانات سقطت وبقي الوطن"، مضيفاً "نقول لكل واحد منهم، أنت مستغلّ من قبل أعداء بلدك ضد أهلك، والثورة التي خدعوك بها وهم".

أموال مجمدة

وعلى وقع الانهيار الاقتصادي ورفع حكومته أسعار البنزين والمازوت والخبز والسكر والرز وتفاقم مشكلة انقطاع الكهرباء، شدد الأسد على أن "العائق الأكبر أمام الاستثمار يتمثل في الأموال السورية المجمدة في البنوك اللبنانية المتعثرة"، موضحاً أن بعض التقديرات تشير إلى أنها ما بين 40 و60 مليار دولار.

وإذ نبه الأسد إلى أن "الحصار المفروض على سورية لم يمنعه من تلبية الاحتياجات الأساسية لكنه سبب اختناقات"، تعهد بـ"مواصلة العمل من أجل التغلب على الصعوبات الناجمة عن العقوبات الغربية".

تحرير الأرض

وأعاد الأسد التأكيد على أن "قضية تحرير ما تبقى من سورية من الإرهابيين ورعاتهم الأتراك والأميركيين" ستبقى نصب أعينه، وأعرب عن بالغ ثقته بـ "الأصدقاء الإيرانيين والروس ودورهم في تحرير الأرض".

وأثنى الأسد، في خطاب القسم على دور روسيا مع الصين لإعادة سورية إلى الساحة الدولية، مشيداً بجهودهما "في تغيير وجهة المسار الدولي انطلاقاً من دفاعها عن القانون والشرعية الدولية".

الصين والإعمار

إلى ذلك، وبعد التوافق الأميركي ـ الروسي النادر على مشروع قانون معدل بمجلس الأمن يتيح الاستمرار بتدفق المساعدات الى سورية عبر معبر باب الهوى مع تركيا لمدة 12 شهراً، وصل وزير خارجية الصين وانغ يي إلى العاصمة السورية، أمس، في أول رحلة من نوعها منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في مارس 2011.

وقالت مصادر سورية إن الوزير الصيني عقد جلسة مباحثات مع نظيره السوري فيصل المقداد في مبنى وزارة الخارجية، قبل أن يعقد اجتماعاً مع الأسد عقب أدائه القسم القانوني لولاية رئاسية جديدة، موضحة أن الزيارة تتضمن توقيع مذكرة تفاهم لإطلاق مشاريع اقتصادية بين الصين وسورية.

وفي وقت سابق، كشفت وكالة "سبوتنيك" الروسية أن محادثات وزير خارجية الصين ستركز على المسائل الاقتصادية والدبلوماسية وإطلاق مرحلة جديدة من التعاون، تشمل 6 مشاريع اقتصادية استراتيجية تم التفاهم عليها سابقاً، بينها مشاريع حيوية في البنى التحتية تتفرع عن مبادرة "حزام واحد طريق واحد" الصينية.

وتدعم الصين الحكومة السورية منذ اندلاع الحرب في 2011 وقدمت لها مساعدات اقتصادية وخاصة في مشاريع الخدمات والبنية التحتية، إضافة إلى أنها أبطلت مع روسيا أكثر من 15 قراراً في مجلس الأمن لإدانة الأسد وحكومته.

ووفق محللين، لن يكون بمقدور الأسد المضي في عملية إعادة الإعمار من دون الحصول على أموال المجتمع الدولي، إذ لا يمكن أن يحصل ذلك خارج تسوية سياسية تحت مظلة الأمم المتحدة، يعمل ومن خلفه حلفائه على جذب "مانحين محتملين" على رأسهم دول الخليج، وسط مؤشرات على بدء انفتاح خليجي نحو سورية.

وخلال السنوات الأخيرة، راهن المجتمع الدولي على تسوية سياسية تحدث تغييراً في بنية النظام قبل الانتخابات، بعدما تخلّت قوى غربية وعربية عدة عن مطلب تنحي الأسد. لكنّ جهود الأمم المتحدة التي قادت جولات تفاوض بين الحكومة والمعارضة في جنيف اصطدمت بعقبات كثيرة ولم تحقق أي تقدم يذكر.

الأموال السورية في لبنان 60 مليار دولار أم 6 مليارات؟

يقول الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف، سمير حمّود، لموقع "المدن" اللبناني، إن حجم أموال المودعين السوريين في المصارف اللبنانية يتراوح بين 6 و8 مليارات دولار بالحد الأقصى.

وحسب الأرقام، فإن مجمل حجم الودائع في المصارف اللبنانية العائدة لجميع المودعين "غير المقيمين"، وهم من المغتربين اللبنانيين ورجال الأعمال السوريين والخليجيين وغيرهم، تقارب نسبة 20 في المئة فقط من مجمل الودائع المصرفية، أي أن جميعها لا يزيد على 40 مليار دولار. وبالتالي، لا يمكن أن يتراوح حجم الأموال السورية في المصارف اللبنانية بين 40 و60 مليار دولار، بمعنى أنه لا يمكن أن يكون جميع المودعين غير المقيمين من حملة الجنسية السورية.

وينقل "المدن" عن مصرفي سوري فضل عدم ذكر اسمه، تأديه أن أموال السوريين فيما لو تم الإفراج عنها من قبل المصارف اللبنانية لا يمكن أن تعود إلى سورية "فمودعو تلك الأموال لو أرادوا الاستثمار في سورية لما أخرجوا أموالهم إلى القطاع المصرفي اللبناني". ويجزم بأن تلك الأموال لو قُدّر لأصحابها تحويلها وإخراجها من لبنان، فإن وجهتها ستكون إلى "الأماكن الأكثر استقراراً وأضمن ربحاً"، مثل القاهرة أو دبي أو اسطنبول.