هل دخلنا عصر التقلبات المناخية الخطيرة؟

• أوروبا تحت صدمة أسوأ فيضانات منذ عقود بعد مقتل أكثر من 150
• حرائق هائلة في الغرب الأميركي وكندا بسبب الحر والجفاف والصواعق

نشر في 18-07-2021
آخر تحديث 18-07-2021 | 00:02
يحذر علماء وخبراء وسياسيون بشكل متزايد منذ تسعينيات القرن الماضي من ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ. ولطالما أثار الحديث عن هذا التغير المحتمل، ومدى تأثير الأنشطة البشرية عليه سجالات علمية واقتصادية ودينية، وكان للسياسة نصيبها منه، خصوصاً بعد نشوء أحزاب «الخضر»، وبدء الحكومات باتخاذ إجراءات ملموسة بدفع من تنسيق دولي حول قضية تعني مستقبل ومصير الكوكب.

وأخيراً بدأت حدة التقلبات المناخية تشتد مع زيادة الظواهر المناخية المتطرفة، ما أثار تساؤلات إذا كان العالم الذي يعيش أزمة صحية غيرت الكثير من أنماط الحياة فيه، قد دخل عصر تقلبات مناخية خطيرة قد تزيد من حالة عدم اليقين التي تخيم منذ أواخر 2019.

ولم تتردد «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية» بالقول إن نصف الكرة الشمالي كله يشهد هذا الصيف أنماطا «غير عادية» من التقلبات الجوية.

وأشارت المتحدثة باسم المنظمة كلير نوليس، أمس الأول، إلى الأمطار الغزيرة التي تسببت في حدوث فيضانات مدمرة بغرب أوروبا، لافتة في الوقت نفسه الى أن أجزاء من الدول الإسكندنافية، ذات المناخ البارد، تشهد «موجة حارة دائمة»، بينما أثرت أعمدة الدخان القادمة من سيبيريا على جودة الهواء، وتسبب ارتفاع الحرارة «غير المسبوق» في غرب أميركا الشمالية أيضا في حرائق غابات مدمرة.

وقالت المتحدثة إن «كل تلك الظواهر المتناقضة انتشرت في آن واحد، وهي حالة غير مسبوقة» في حين تشير الأدلة إلى أن «التغيرات المناخية السلبية هي بسبب الأنشطة البشرية».

وأشارت نوليس إلى أن تقريرا خاصا أعدته «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» كشف عن اتجاهات في شدة بعض ظواهر المناخ والطقس المتطرفة، وتواترها على مدى فترات زمنية ارتفعت خلالها درجة «الاحترار العالمي» بنسبة نصف نقطة مئوية.

وأكدت افتتاحية «التايمز» البريطانية، أمس، أهمية اتخاذ إجراء عاجل بشأن تغير المناخ، بسبب تسارع وتيرة الأحداث المناخية المتطرفة أكثر بكثير من توقّعات العلماء.

ورأت «التايمز» أن هذه الأحداث المناخية المتطرفة تحذير للحكومات لكي تكثف جهودها للتكيف مع تغيّر المناخ الذي يحدث بالفعل، بغضّ النظر عمّا تفعله للحد من الانبعاثات في المستقبل.

وذكرت أن التقاعس في ذلك يؤدي إلى مخاطر وأضرار تلحق بالتنوع البيولوجي والموائل والتربة والمحاصيل والماشية، بسبب الجفاف والفيضانات، فضلا عن الاضطراب المحتمل لسلاسل التوريد وأنظمة الطاقة والبنية التحتية الأخرى في أرجاء العالم.

ويعتقد عالم الموارد المائية في جامعة بوتسدام كاي شروتر أنه «في الوقت الحالي، لا يمكننا أن نقول على وجه اليقين إن هذا الحدث مرتبط بتغير المناخ»، لكن هذه الظواهر المناخية القصوى أصبحت «أكثر تواترا وأكثر احتمالا» بسبب ارتفاع درجات الحرارة.

في المقابل، يرفض اليمين المتطرف في ألمانيا، على سبيل المثال، فرضية أن تكون الأمطار الغزيرة التي هطلت على غرب المانيا نتيجة للتغير المناخي، ويتحدث عن «استغلال» لهذه المسألة.

ميدانياً، ارتفعت حصيلة ضحايا العواصف والفيضانات في ألمانيا امس إلى 133 شخصا على الأقل، كما أعلنت الشرطة المحلية في بيان، ما يرفع عدد القتلى في أوروبا إلى 153 شخصاً.

وكثف عناصر من الجيش ورجـــــــال الإطـــــــــــفــــــــــــاء لـــــيـــــــلـــــــــــــــــة الجـــمــــعـــــــة - السبت جهود البحث عن ضحايا الدمار الذي خلفته أسوأ الفيضانات التي اجتاحت غرب أوروبا منذ عقود.

وهذه الحصيلة مازالت أولية، إذ لايزال العديد من الأشخاص في عداد المفقودين في غرب ألمانيا وبلجيكا، ما يثير مخاوف من ازدياد الخسائر البشرية خلال الساعات القليلة المقبلة.

وفي المناطق الأكثر تضرراً في ألمانيا في شمال الراين وستفاليا وراينلاند-بالاتينات، كان السكان الذين فروا من الفيضانات يعودون تدريجياً إلى منازلهم وسط مشاهد الخراب.

ويتضح الآن الحجم الحقيقي للكارثة، إذ حيث يجري مسح المباني المتضررة التي سيتعين هدم بعضها، فيما تُبذل الجهود لاستعادة خدمات الغاز والكهرباء والهاتف.

وأدى تعطل شبكات الاتصالات إلى تعقيد الجهود لمعرفة عدد المفقودين، فيما باتت معظم الطرق في وادي أهر الغارق بالمياه، خارج الخدمة.

وقالت الحكومة إنها تعمل على إنشاء صندوق مساعدات خاص فيما يتوقع أن تصل كلفة الأضرار إلى عدة مليارات من اليوروهات.

وأكد وزير الداخلية، هورست سيهوفر، أن ألمانيا «يجب أن تستعد بشكل أفضل» في المستقبل، مضيفا أن «هذا الطقس القاسي هو نتيجة تغير المناخ».

وذكرت مجلة «دير شبيغل» الإخبارية أن العلاقة بين الاحترار العالمي والأحداث المناخية القاسية مثل هطول الأمطار الغزيرة، التي تسببت في الفيضانات، ستسلط الضوء على استجابة المرشحين لمسألة تغير المناخ.

من جهته، قال رئيس الوزراء الهولندي، إن هذا الطقس الرديء هو «بلا شك» عواقب تغير المناخ بينما تجاوزت قيمة التبرعات الوطنية لمقاطعة ليمبورغ المنكوبة بالفياضانات مليون يورو.

ورداً على سؤال خلال زيارة لليمبورغ حول تأثير الاحتباس الحراري، قال مارك روتي، إنه «هذا هو الحال بلا شك»، وأضاف: «لا أريد الإدلاء بأي تصريحات متسرعة، لكنّ هناك شيئا ما يحدث بالفعل فلنكن واضحين».

وفي الولايات المتحدة، تستعد منطقة غرب الولايات المتحدة التي ضربها جفاف شديد لمزيد من الدمار من جراء حرائق الغابات، مع فشل الجهود المبذولة لاحتواء حريق هائل في جنوب ولاية أوريغون، وتوقع حصول صواعق جافة خطيرة في كاليفورنيا.

وامتد حريق «بوتليغ فاير» قرب حدود ولاية أوريغون مع كاليفورنيا بين عشية وضحاها إلى 240 ألف فدان، أي أكبر من مساحة مدينة نيويورك وأكبر حريق نشط في الولايات المتحدة، فيما تم احتواء سبعة في المئة فقط منه. يشكل الحريق أيضاً خطراً على إمدادات الطاقة في ولاية كاليفورنيا المجاورة، كما يهدد بإغراق السكان في العتمة، مثلما حدث في السنوات الماضية، عندما تسببت موجات حر في إجهاد شبكة الكهرباء في الولاية.

وقال حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسوم، إن «تأثيرات تغير المناخ تساهم في حرائق الغابات التي تزداد خطورة وحدة في كل أنحاء غرب الولايات المتحدة».

وحذّر عالم المناخ دانيال سوين من أن خطر اندلاع حرائق غابات بسبب الصواعق الجافة المتوقعة في كاليفورنيا في نهاية هذا الأسبوع «مرتفع جدا».

أما في كندا فيفترض أن يصل نحو مئة من رجال الإطفاء المكسيكيين إلى تورونتو السبت لمكافحة الحرائق في شمال غرب أونتاريو، وفق ما أعلنت سلطات المقاطعة أمس الأول.

وصدرت تحذيرات بشأن نوعية الهواء في أربع مقاطعات في البلاد فيما تسببت الحرائق في سحب من الدخان. ويتوقع مسؤولون أن تسيطر درجات حرارة مرتفعة خلال الأيام القليلة المقبلة على امتداد ألبرتا إلى أونتاريو، إلا أنها لن تكون شديدة على غرار درجات الحرارة التي وصلت إلى 49.6 درجة مئوية، وسجلت قرب فانكوفر قبل ثلاثة أسابيع.

ويقول علماء إن موجات الحر التي تضرب غرب الولايات المتحدة وكندا منذ أواخر يونيو كانت ستكون «مستحيلة عمليا»، لولا ظاهرة تغير المناخ التي يسببها النشاط البشري.

ويؤدي تغير المناخ إلى زيادة حدة موجات الجفاف، ما يخلق ظروفا مثالية لامتداد حرائق الغابات خارج نطاق السيطرة وإحداث أضرار مادية وبيئية غير مسبوقة.

back to top