اختتم وفدا الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان"، أمس، مباحثات السلام، التي عقدوها على مدى يومين في العاصمة القطرية الدوحة، في وقت كرّر زعيم الحركة هبة الله أخوند زاده، تأييده "بشدة لتسوية سياسية" للنزاع، مشدّداً على أنه يؤمن بأن "الحل السياسي هو الأنسب لإحلال السلام".ورغم التقدم والانتصارات العسكرية، التي سجّلتها حركته على الأرض في الشهرين الأخيرين، قال زعيم "طالبان" هبة الله أخوند زاده، في رسالة نشرها أمس، قبيل عطلة عيد الأضحى المبارك الأسبوع المقبل: "رغم المكاسب والتقدم العسكري، تفضل الإمارة الإسلامية بشدة تسوية سياسية في البلاد"، مؤكدا أن "الإمارة الإسلامية ستستغل كل فرصة تسنح لإرساء نظام إسلامي وسلام وأمن".
وأضاف أخوند زاده: "بدلاً من الاعتماد على الأجانب، دعونا نحل مشاكلنا فيما بيننا وننقذ وطننا من الأزمة، نحن من جهتنا مصممون على التوصل إلى حل من خلال المفاوضات، لكن الطرف الآخر يواصل إهدار الوقت".وبينما لم يأتِ على ذكر وقف نار لمناسبة عيد الأضحى، عدّد زعيم "طالبان" في رسالته سلسلة من التعهدات في حال قيام "إمارة إسلامية" في البلاد، قائلاً: "نريد علاقات دبلوماسية واقتصادية وسياسية جيدة ووثيقة مع جميع دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة، ونؤكد لدول الجوار والمنطقة والعالم أن أفغانستان لن تسمح لأي كان بتهديد أمن أي دولة أخرى انطلاقا من أراضيها".كما شدد "على محو الأمّية"، مؤكدا أن "الإمارة الإسلامية ستحرص خصوصاً وستبذل جهوداً من أجل خلق بيئة مناسبة لتعليم الفتيات في إطار الشريعة الإسلامية العظيمة"، في حين كانت الفتيات تحت حكمهم ممنوعات من الذهاب إلى المدرسة والنساء ممنوعات من العمل.وأكد أخوند زاده التزامه حيال "حرية التعبير ضمن حدود الشريعة والمصالح الوطنية"، معرباً عن رغبته في العمل مع منظمات غير حكومية دولية في مجال الصحة.وكرر أيضاً وعده بضمان سلامة الدبلوماسيين والسفارات والقنصليات والمنظمات الإنسانية والمستثمرين الأجانب.
مفاوضات الدوحة
ووسط تفاؤل بالتوصل لتسوية سياسية تؤدي لإحلال السلام في البلاد، اختتم وفدا الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان"، أمس، الجلسة الثانية من جولة المفاوضات الجديدة بالدوحة.وأفاد مصدر في وفد "طالبان"، بأن الحركة قدّمت اقتراحاً يتضمن إجراءات لبناء الثقة بينها وبين الحكومة، وذلك عبر إطلاق سراح السجناء لدى الجانبين وإعلان هدنة مؤقتة خلال فترة عيد الأضحى.وقال مسؤول في لجنة المصالحة إن "كلا الطرفين تبادلا مقترحاتهما للخروج ببيان مشترك بما تم الاتفاق عليه".وأكدت الحركة أنها تؤمن بأن الحل السياسي هو الأنسب لإحلال السلام في أفغانستان، وأنها تسعى لإقامة علاقات مع المجتمع الدولي.وكانت الجولة الحالية من محادثات السلام الأفغانية انطلقت أمس الأول، حيث عبّر رئيسا وفدي الحكومة عبدالله عبد الله وحركة "طالبان" الملا عبدالغني برادار، عن تفاؤلهما بالوصول لتفاهمات توقف التصعيد الجاري في البلاد.ونقلت "وكالة الأنباء الألمانية" عن متحدث باسم المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، إن اليوم الأخير من المحادثات ركّز على وجود وسيط للمفاوضات السابقة، ووقف النار، والتوصل إلى تسوية سياسية.ورجحت مصادر على صلة بمحادثات الدوحة أن "طالبان" ستوافق على وقف النار، لمناسبة عيد الأضحى، وخفض العنف، بحلول نهاية اليوم.تصعيد ميداني
وتزامنت محادثات الدوحة مع استمرار التصعيد الميداني بين القوات الأفغانية و"طالبان"، التي تؤكّد أنها سيطرت خلال الشهرين الماضيين على أكثر من 210 مناطق من نحو 400 منطقة في 34 إقليما في أفغانستان.وقال الناطق باسم قوات الأمن الأفغانية أجمل عمر شينواري، أمس، إن المقاتلين الموالين للحكومة نفذوا 244 عملية أسفرت عن مقتل 967 من مقاتلي "العدو" بينهم قادة رئيسيون. وأضاف شينواري: "استعدنا 24 منطقة حتى الآن، وهدفنا هو استعادة كل الأراضي".وتواصل القوات الحكومية حملتها العسكرية لاستعادة مدينة سبين بولدك ومعبر تشمن الاستراتيجي على الحدود مع باكستان في ولاية قندهار جنوب البلاد.تسييج الحدود
وفي وقت قال وزير الداخلية الباكستاني شيخ رشيد أحمد إن الأجهزة الأمنية في بلاده تراقب ما يجري قرب معبر تشمن، وستتخذ الخطوات اللازمة للتعامل مع أي طارئ، أعلن الناطق باسم الجيش الباكستاني، اللواء بار افتخار، أن عمليات تسييج الحدود المشتركة بين بلاده وإيران مستمرة، وعلى وجه السرعة.وذكر افتخار أن بلاده "تحاول التصدي للعناصر الإرهابية على الشريط الحدودي المتعلق بالحدود الغربية الباكستانية مع أفغانستان".البعثات الأميركية
في وقت تشير فيه أحدث تقييمات دوائر الاستخبارات الأميركية إلى تحذيرات من تقدم "طالبان" بوتيرة متسارعة، طفت على السطح مخاوف جديدة على البعثات الأميركية وملحقاتها هناك.وكشف مسؤولون أميركيون عن مجموعة من العقبات، التي يتعين على كادر قليل من الموظفين في السفارة الأميركية المحصنة في كابول اجتيازها، خصوصاً مع تفشي فيروس "كورونا" والانسحاب الأميركي من البلاد.وأوضح هوغو لورنز، الذي شغل منصب كبير الدبلوماسيين الأميركيين في أفغانستان في عهد الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترمب، أنه وفي غياب عنصر عسكري محصّن في كابول، تصبح مهمة السفارة الأميركية أكثر تعقيداً وخطورة وصعوبة.وأكد أنه وبينما قامت بالفعل بعض الحكومات بينها فرنسا والصين، بإجلاء مواطنيها من أفغانستان، فإن محادثات الدوحة لا تظهر سوى القليل من علامات التقدم، وهو ما يزيد من إشارات الخوف على البعثات الدبلوماسية هناك.من ناحيتها، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤول سابق رفيع المستوى مطلع على المهمة في أفغانستان رفض كشف اسمه، قوله إن "الأمن بات منعدماً، والانقسامات القبلية والعرقية تصعّب الأمور أكثر وتجعل المهمة أكثر تعقيداً".