دخل لبنان مرحلة الانهيار الشامل، وأُضيفَ إلى عناصر مشكلته مؤشر أخطر، وهو الأزمة الطبية والدوائية، التي من شأنها إعادة البلد إلى العصور الوسطى.

وهذه الأزمة ستنعكس على غيرها من القطاعات الأساسية، بالنسبة إلى اللبنانيين الذين يمضون صيفاً لاهباً بلا كهرباء ولا دواء ولا محروقات ولا مقومات أساسية.

Ad

في الوقت نفسه، أصبح من البديهي والثابت أن أشهُر الصيف الثلاثة ستمرّ بحدّ أدنى من الخسائر، وستضيع الهموم والاستحقاقات في زحمة الأعياد وزيارات المغتربين، الذين يحركون الدورة الاقتصادية والمالية، بانتظار الخطرّ الأكبر في الخريف المقبل، مع بداية الموسم الدراسي، الذي سيكون أصعب من أي عام آخر.

وبات لبنان فعلياً في مدار «الارتطام الكبير»، وسط غياب أي مؤشر حتى الآن يفيد بإمكانية الوصول إلى تسوية سياسية أو تفاهم بين الأفرقاء، على تسمية شخصية تحظى بتوافق الجميع وبثقة المجتمع الدولي لتشكيل حكومة.

وتوقفت الاتصالات السياسية الرسمية، مع استمرار التواصل في الكواليس تمهيداً لمرحلة ما بعد عيد الأضحى المبارك، خصوصاً أن معظم المسؤولين السياسيين غادروا لبنان إلى الخارج. ويفترض بعد العيد أن تعود الاتصالات حول شكل الحكومة ومواصفات رئيسها وتحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة.

في هذه الأثناء، لا مؤشرات على أن اتفاقاً قد يتبلور لاحقاً، فرئيس الجمهورية ميشال عون وصهره رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل يتمسكان بحكومة «اللون الواحد»، ويطرحان أسماء تشمل النائبين فيصل كرامي وفؤاد مخزومي، وجواد عدرا.

أما الثنائي الشيعي، أي حزب الله وحركة أمل، فيرفض حتى الآن الذهاب إلى خيار من هذا النوع، حتى لا تشعر أي طائفة بأنها مهمشة أو مغبونة أو مستهدفة. وتشدد مصادر الطرفين على أنهما لا يريدان الإقدام على أي خطوة من شأنها أن تعيد إحياء التوتر السني - الشيعي، بينما يحاول «حزب الله» ألا يجد نفسه مجدداً أمام سيناريو حكومة حسان دياب، التي يعتبرها غير منتجة، رغم أن خصومه يرون أنها حققت له ما يريد على صعيد مشروعه الواسع.

على المستوى السني، يرفض رؤساء الحكومة السابقون وتيار «المستقبل»، الاشتراك في تسمية شخصية لرئاسة الحكومة، خصوصاً أنه لا مجال للتعاون مع عون وباسيل، اللذين يرفضان تقديم أي تنازل.

ويعتبر رؤساء الحكومات السابقة أن المشاركة في تسمية البديل تعني مكافأة عون على التعطيل، والتسليم بالكيدية السياسية، والاستسلام لتجاوز الدستور واتفاق الطائف، الذي يرون أن عون يخوض معركة أساسية ضده.

وهم يعتبرون، انطلاقاً من هذه الفكرة، أن على عون تحمّل مسؤولياته، ولتأخذ اللعبة الديموقراطية مجراها، وفق مبدأ أكثرية تحكم وأقلية تعارض، وبما أن الأكثرية لدى «حزب الله» وعون وحلفائهما فليشكلوا حكومتهم، وبعدها يحكم الناس على هذه الخيارات وما يمكن لمثل هذه الحكومة تحقيقه على صعيد العلاقات الدولية، والحصول على المساعدات وإنقاذ لبنان من أزمته المالية والاقتصادية.

من ناحيته، كان الحريري واضحاً في نيته عدم تسمية رئيس للحكومة، وهو لا يريد توفير الدعم للحكومة المقبلة، لأنها ستحسب لاحقاً وكأنها حكومة «حزب الله».

وبحسب ما تقدم، يبدو أن الجميع يفضل الانتظار، وهو ما سيقود، في مرحلة لاحقة، إلى خيار تشكيل حكومة انتخابات، لكن لا يمكن إغفال الخلفية السياسية للصراع، فعندما يتحدث الحريري عن أن «حزب الله» لم يدعمه بما فيه الكفاية، خلال 9 أشهر من مفاوضات التأليف، يوحي أن الحزب لا يريد حكومة، لأنها ستنقل الصراع من مكان إلى آخر، فبدلاً من أن تبقى المواجهة بين الحريري وعون، ستصبح بين الحكومة الوليدة ومشروعها من جهة، ومقتضيات الإصلاح والإنقاذ من الجهة الأخرى، فضلاً عن متطلبات المشروع الاستراتيجي للحزب، الذي لا يريد الدخول في مثل هذه التضاربات حالياً.

وفي ظل هذه الظروف، ثمة من يعلّق على الأزمة اللبنانية والحكومية تحديداً بالقول إنه لا مجال لإيجاد حلّ أو اتفاق، من دون أن يصبح لبنان بنداً على أجندة المفاوضات الإيرانية-السعودية المتوقفة حالياً، بانتظار تسلُّم إبراهيم رئيسي الرئاسة في طهران، ومن دون أن تنتج هذه المفاوضات شخصية مشابهة لمصطفى الكاظمي في العراق تبدأ عملية الإصلاح، وهنا يفترض أن تتجه الأنظار في لبنان إلى نواف سلام، الذي يمكن أن يؤدي هذا الدور.

منير الربيع