آخر مناورة إيرانية لعقد اتفاق نووي جديد محكومة بالفشل
تميل جمهورية إيران الإسلامية إلى عدم اعتبار الولايات المتحدة شريكة دبلوماسية جديرة بالثقة، لذلك ليس مفاجئاً أن تضيف إيران شرطاً مسبقاً جديداً لإعادة الانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة بعد انتخاب المتشدد إبراهيم رئيسي رئيساً للبلاد. أعلن كبير المفاوضين الإيراني، سيد عباس عراقجي: «نحن نحتاج إلى ضمانات كي لا تتكرر هذه العقوبات مجدداً ولا الانسحاب من الاتفاق النووي، كما فعلت الحكومة الأميركية السابقة».لكن كيف ستكسب إيران تلك الضمانات؟ تريد طهران أن تطالب الولايات المتحدة بنيل موافقة الأمم المتحدة قبل أن تتمكن من الانسحاب مجدداً، حتى الآن، لم توافق إدارة بايدن على هذا الشرط، لكنها تتعرض لضغوط متزايدة كي تفعل ذلك، ويُعتبر هذا «الخط الأحمر» الجديد بالغ الأهمية لدرجة أن يحذر مسؤول إيراني مرموق في الأسبوع الماضي من عدم عودة إيران إلى طاولة المفاوضات قبل أن تتخذ واشنطن «قراراً سياسياً صعباً».نظرياً يستطيع مجلس الأمن، بعد نيل موافقة إدارة بايدن، أن يتبنى قراراً يمنع الولايات المتحدة من الانسحاب من الاتفاق من دون موافقته، وبموجب الإجراءات المتّبعة في مجلس الأمن، قد تعطي هذه الآلية دولاً مثل روسيا والصين حق النقض ضد أي قرار أميركي بالانسحاب.
يظن مؤيدو الأمم المتحدة حتماً أن هذه الآلية ستجعل أي قرار مستقبلي تتخذه الإدارة الأميركية للانسحاب من دون موافقة مجلس الأمن غير شرعي بموجب القانون الدولي، لكن في الولايات المتحدة، يبقى الدستور أهم قانون معمول به، ولن تعتبر أي إدارة أميركية هذه الآلية مُلزِمة لها.تتعدد الأمثلة التي تثبت استعداد الولايات المتحدة لتحدّي قرارات مجلس الأمن «المُلزِمة». قاد بايدن، حين كان عضواً في مجلس الشيوخ، جهوداً مماثلة في عام 1995 لإقرار تشريع ينتهك قرار الأمم المتحدة بحظر توريد الأسلحة في البوسنة، ولا شك أن إيران لم تنسَ الادعاء القائل إن انسحاب ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة ينتهك قرار مجلس الأمن الذي يدعم ذلك الاتفاق.تثبت هذه الأمثلة أن آلية استعمال حق النقض في الأمم المتحدة لن تعطي المفعول المنشود مع إيران، بل إنها ستزيد المخاوف الدستورية الجدّية، ولنتخيّل ردة فعل الكونغرس إذا اضطرت إدارة بايدن للتعامل مع إيران وروسيا والصين وجهات أخرى بعد تقبّل تراجع المرونة الأميركية عند اتخاذ أي قرار بالانسحاب من اتفاق دولي، لا سيما إذا قررت هذه الإدارة عدم طرح ذلك الاتفاق أمام مجلس الشيوخ للمصادقة عليه كمعاهدة بحد ذاتها، وهي خطوة شبه حتمية. لتحويل الاتفاقيات الدولية من أدوات مُلزِمة سياسياً إلى أدوات مُلزِمة قانوناً، تقضي الآلية الدستورية بأخذ رأي مجلس الشيوخ ونيل موافقته للمصادقة عليها، وفي المقابل سيؤدي تجاوز مجلس الشيوخ والإعلان عن عقد اتفاق يُلزِم الولايات المتحدة قانوناً أمام بقية العالم، بناءً على قرار مجلس الأمن، إلى الاستهزاء بدور مجلس الشيوخ الدستوري.لضمان احترام أي اتفاق نووي مع إيران من جانب الإدارات الأميركية المستقبلية، تقضي الطريقة العملية الوحيدة بإعطاء شرعية سياسية لذلك الاتفاق من جميع الأوساط الأميركية، لكن لم يتحقق هذا الشرط مع خطة العمل الشاملة المشتركة، وعند طرح هذا الاتفاق أمام الكونغرس بموجب قانون يسمح له بمراجعة الاتفاقيات النووية مع إيران، كانت الأصوات الرافضة له من الأغلبيات القوية في المجلسَين غير مجدية في نهاية المطاف. عملياً، صوّت جميع الجمهوريين في المجلسَين ضد خطة العمل الشاملة المشتركة، مقابل أربعة ديموقراطيين في مجلس الشيوخ و25 ديموقراطياً في مجلس النواب.اليوم، يدعو الجمهوريون في مجلس النواب إدارة بايدن إلى الالتزام بالقانون نفسه في حال التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران، لكن لم تطلق الإدارة الأميركية أي وعود في هذا المجال، وإذا قررت هذه الأخيرة تجاوز الكونغرس لتطبيق اتفاق جديد مع إيران، فستسمح حينها للخصوم باعتبار ذلك الاتفاق سياسة سيئة، حتى أنهم قد يعتبرون تطبيقه غير قانوني.أخيراً تجازف الحلول المختصرة، مثل نيل مصادقة الأمم المتحدة بدل مجلس الشيوخ الأميركي أو تجاوز الكونغرس بالكامل، بإعطاء نتائج عكسية ضد أي اتفاق جديد مع إيران، مما يؤدي إلى إضعاف قدرته على الصمود، ومن الأفضل إذاً أن يتفاوض بايدن مع إيران على اتفاق لن تتردد الإدارة الأميركية في طرحه أمام الكونغرس باعتباره قادراً على حصد دعم قوي من الحزبَين الجمهوري والديموقراطي. إنها الطريقة الوحيدة التي تضمن طمأنة إيران وشركائها المحتملين حول تحركات الرئيس الأميركي المقبل.* ستيفان رادميكر