أكدت محكمة الاستئناف المدنية، أن عضو مجلس الأمة، وفقا لأحكام الدستور، حُر فيما يبديه من أقوال داخل المجلس ولجانه في الأحوال العادية للممارسة البرلمانية، فكيف بجلسات الاستجواب التي يتوجب فيها بحكم المنطق واللزوم الإفصاح عن مواضع القصور، بل والريب في أعمال الوزارة والقائمين على تنفيذ سياساتها، ولو ارتقى ذلك إلى حد الاتهام، طالما رسخ في اعتقاد عضو مجلس الأمة ما يبرر ذلك دون أن يصل إلى حد الدليل اليقيني.

وأضافت المحكمة في حيثيات حكمها، الذي أصدرته برئاسة المستشار د. عمر المسعود، وعضوية المستشارين سعود المطيري ود. نواف الشريعان، بعد تأييدها حكم محكمة أول درجة برفض الدعوى التي أقامها أحد الموظفين في الحكومة، لتعرض أحد النواب لاسمه في أحد الاستجوابات المقامة ضد أحد الوزراء، أن لعضو المجلس ممارسة حقه للعمل البرلماني وفقا لأحكام الدستور، الذي أوكل له استنهاضها وممارستها، وصولا إلى تحقيق مقتضيات المصلحة العامة.

Ad

النزاع

وقالت إن الحكم الصادر من محكمة أول درجة في محله، لأسبابه التي بني عليها، والتي تتفق مع صحيح الواقع والقانون، وقد أورد الحكم في مدوناته المبادئ والقواعد القانونية التي تقر المحكمة تطبيقها على النزاع وطبقها عليه تطبيقا صحيحا، وانتهى إلى نتيجة صائبة، ومن ثم فإن هذه المحكمة تأخذ بأسباب الحكم المستأنف، وتجعلها أسبابا مكملة وتضيف تدعيما لها، وردت على أسباب الاستئنافين، بأن المقرر بنص المادة 108 من الدستور أن «عضو المجلس يمثل الأمة بأسرها، ويرعى المصلحة العامة، ولا سُلطان لأي هيئة عليه في عمله بالمجلس أو لجانه».

القانون الوضعي

وأضافت «الاستئناف»، أن المادة 110 من الدستور تنص على أن «عضو مجلس الأمة حُر فيما يبديه من الآراء والأفكار بالمجلس أو لجانه، ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال»، وإذ تنص المادة 19 من القانون رقم 12/ 1963 بشأن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة على أن «عضو مجلس الأمة حُر فيما يبديه من الآراء والأفكار بالمجلس أو لجانه ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال»، وإذ من المستقر عليه قضاء أن علو الدستور وسمو أحكامه في بناء النظام القانوني الوضعي على المعيار الشكلي أو العضوي السابق، بل يسمو الدستور على غيره من قواعد قانونية في هذا البناء على أساس موضوعي هو طبيعة الموضوعات التي يقررها باعتباره القانون الأساسي الأعلى الذي يُرسي القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم ويحدد السُّلطات العامة، ويرسم لها وظائفها، ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها، ويقرر الحريات والحقوق العامة، ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ومن ثم فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفي عليه صفة السيادة والسمو بحسبانه كفيل الحريات وموئلها وعماد الحياة الدستورية وأساس نظامها، فحق لقواعده أن تستوي على القمة من البناء القانوني للدولة، وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التي يتعين على الدولة، بجميع سُلطاتها، التزامها في تشريعها وقضائها وفيما تمارسه السُّلطات العامة الثلاث؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية، من صلاحيات، والدولة في ذلك إنما تلتزم أصلا من أصول الحكم الديمقراطي، هو الخضوع لمبدأ سيادة الدستور.

تمثيل الأمة

وبينت المحكمة أن المستأنف بالاستئناف الأول يرنو من دعواه الراهنة القضاء له بالتعويض تأسيسا على خروج المستأنف ضده بوصفه عضوا بمجلس الأمة عن واجبه في تمثيل الأمة ببسط رقابته على أعمال السُّلطة التنفيذية والقفز على مضمون الحصانة التي أسبغها عليه الدستور من حيث صدور بعض الألفاظ منه التي تشكل مساسا بالمستأنف، وتنال من سُمعته ومكانته الاجتماعية، وكانت النصوص الدستورية قررت ضمانات عضو مجلس الأمة في سبيل القيام بمسؤولياته، والتي تأتي استكمالا للضمانات الدستورية في الحصانة النيابية وغيرها، الأمر الذي يجب أن تؤخذ معه هذه الحصانات جميعا - سواء تبوأت موقعها في الدستور، أو في اللائحة الداخلية - باعتبارها منظومة متكاملة ومترابطة فيما تحمله من معانٍ ودلائل، وإن كان ذلك استقلالا بالأحكام إلا أنه لا يعزلها عن بعضها، بل يقوم منها مجتمعة ذلك السياج الشامل في حماية النائب من أي عسف أو لدد سياسي قد يقصيه عن القيام بمسؤولياته الدستورية أو يعطلها، بما يغدو معه عضو مجلس الأمة سيفا خاويا بلا قبضة ومفرغا من أدواته الدستورية في تحقيق رغبة الأمة، سواء في التشريع أو المحاسبة.

وتابعت: «لما كان ذلك، وكان الثابت أن المستأنف ضده في الاستئناف الأول كان يضطلع بمسؤولياته الدستورية واللائحية في محاسبة وزير عن أعمال وزارته وهو - بلا ريب - حق خالص لعضو مجلس الأمة وفق المادة 100 من الدستور، وقد باشره وفق الأصول البرلمانية المرعية، متناولا أعمال الوزارة، ومرتئيا جوانب استشعر قصورها ومواطن قر إهمالها، فقدحت بها قريحته قوة أثناء الاستجواب».

الإفصاح

ولفتت «الاستئناف» إلى أن عضو مجلس الأمة، وفقا لأحكام الدستور، حُر فيما يبديه من أقوال داخل المجلس ولجانه في الأحوال العادية للممارسة البرلمانية، فكيف بجلسات الاستجواب التي يتوجب فيها بحكم المنطق واللزوم الإفصاح عن مواضع القصور، بل والريب في أعمال الوزارة والقائمين على تنفيذ سياساتها، ولو ارتقى ذلك لحد الاتهام، طالما رسخ في اعتقاد عضو مجلس الأمة ما يبرر ذلك دون أن يصل إلى حد الدليل اليقيني، وكان في ذلك ممارسة حقه للعمل البرلماني تغياها الدستور، وأوكل لعضو المجلس استنهاضها وممارستها، وصولا لتحقيق مقتضيات المصلحة العامة، ومن ثم يضحى ما ينعاه المستأنف بالاستئناف الأول لا سند له واقعا، وقانونا الحصانة البرلمانية لعضو مجلس الأمة تذود عنه، لا سيما أن البين للمحكمة من مطالعة الأوراق خلوها من دليل على تقصد المستأنف ضده بالاستئناف الأول للمستأنف وتحديده بشكل يقيني يميزه عن باقي منتسبي الوزارة من جهة، وخلو الأقوال الصادرة عن المستأنف ضده بالاستئناف الأول من قصد الإساءة الذي أجدبت عنه الأوراق، ولم يستقم الدليل عليها من جهة أخرى، وإذ التزم الحكم المستأنف هذا النظر وقضى برفض الدعوى، فيغدو متفقا وصحيح الواقع والقانون حقيقة بالقضاء بتأييده، وبالمقابل رفض الاستئناف.

حسين العبدالله