بعد تخرّجي في كلية الحقوق بجامعة الكويت، كانت أمامي جملة من الخيارات للعمل في القطاعات القانونية والقضائية، كالنيابة والإدارة العامة للتحقيقات والإدارات القانونية في القطاعين العام والخاص، إلّا أنني فضّلت الانضمام الى المحاماة، لكونها الأقرب لأفكاري ولبيئة العمل التي تناسبني.وبعد الانضمام الى هذه المهنة الكبيرة والشاقة، وجدت أنها من أعظم المهن وأصعبها فهما وتأقلما، وأخطرها من حيث المهام والمسؤوليات التي يحملها ممارسوها تجاه من وثقوا بهم ومنحوهم شرف التمثيل أمام جهات التحقيق والمحاكم والإدارات الرسمية في الدولة.
وبخلاف المهن الأخرى، فإنّ هذه المهنة لها ألوان وأطياف متعددة ومتغيرة ترتبط بنتائج حصاد الأحكام والقرارات التي يتلقّاها المحامي، فهي تجلب له السعادة يوما والتعاسة في اليوم التالي، وتشعره بأنه في قمة نجاحه تارة، وتارة أخرى في أدنى مستوياته وفشله، فيستمر في جلد ذاته ومحاسبتها ولومها.ومن بين ما يرهق المحامي اليوم هو أن يعيش المعاناة مع مَن يوكله ويتفاعل معه، وتصبح قضيته هي الشغل الشاغل له، حتى يتحول المحامي الى طبيب يحرص في حديثه على تهدئة موكّله، ويعمل على طمأنته تجاه ما يقرر أو ما يقحم به من نتائج النزاعات القضائية التي يخوصها.ورغم ثقل المسؤولية، فإنها مهنة لم يبرع بها سوى العظماء، وهي كما قال الأستاذ محمد شوكت التوني في كتابه المحاماة فن رفيع من أدركها فقد ظفر، ومن اتخذها صناعة فشل، ولو أصاب فيها مجدا ومالا، وصيتا ذائعا، وإن كانت فنا رفيعا، فإنها وسيلة لإسعاد الخلق، ورفع مستوى المجتمع وتدعيم بنائه وتمكين قوائمه، بل إنها طريق من طرق نشر السلام في هذا الكون.وددت في هذا المقال أن أعرض نموذجا أعرفه في مهنة المحاماة أمام مَن يرغب في الانضمام إليها من خريجي كلية الحقوق، فالصعود ليس سهلا أو يسيرا، كما يشيع أو يردد البعض، وإنما هي طريق مليء بالمتاعب والمشقة لمن يرغب أن يكون رقما مختلفا وبارزا ومؤثرا فيها، ومتى تحقق ذلك فحتما سيكون في مقدّمة الصاعدين.
مقالات
مرافعة: المحاماة التي أعرفها!
20-07-2021