بوتين يُصعّد خطابه ضد أوكرانيا
حتى الآن، لم يتصرف بوتين كمغامر حقيقي بل كسياسي تكتيكي حذق، مما يعني أنه يحصد مكاسبه السهلة في الخارج حين يشاء وفي الأماكن التي يريدها وبغض النظر عن اعتراض الغرب، لكن مواقف بوتين تزداد تشدداً اليوم على ما يبدو.
في شهر أبريل الماضي، جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر من مئة ألف جندي بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، مما أدى إلى تصعيد التوتر بين البلدين وانتشار توقعات كثيرة حول نواياه الحقيقية قبل أن يسحب جزءاً من تلك القوات العسكرية في نهاية المطاف، وبعد خوض مواجهة مع مدمّرة بريطانية كانت تبحر نحو منطقة في محيط شبه جزيرة القرم، هددت روسيا في شهر يونيو بقصف هذا النوع من السفن مستقبلاً، ومع اقتراب انتخابات مجلس الدوما في شهر سبتمبر المقبل، يتكلم بوتين عن رأيه بالعلاقة القائمة بين أوكرانيا وروسيا في مقالة شاملة نُشِرت على موقع الحكومة الروسية قبل أيام، حيث يتماشى هذا الرأي مع مقالات بوتين السابقة، لكنه يتعمق هذه المرة في تفاصيل التاريخ الروسي، فيطرح وصفاً واضحاً للعلاقات الروسية الأوكرانية. باختصار، يبدو أن بوتين يريد بهذه الطريقة أن يطلق مرحلة جديدة من المنافسة بين الشرق والغرب.يرفض بوتين في مقالته الفكرة المتعلقة باختلاف مصير أوكرانيا وروسيا، بل إن العكس صحيح بحسب قوله، فقد كتب بوتين: «أنا مقتنع بأن سيادة أوكرانيا الحقيقية لن تصبح ممكنة إلا بالشراكة مع روسيا. لقد تطورت روابطنا الروحية والإنسانية والحضارية على مر القرون، وأصبحت راسخة في المصادر نفسها، وزادت قوتها بفضل المصاعب والإنجازات والانتصارات المشتركة»، وفي تعليقات لاحقة، قال بوتين على التلفزيون الوطني إن التحركات الغربية الأخيرة هي التي دفعته إلى نشر تلك المقالة: «يبدو أن المرحلة التي تُمهّد لتنفيذ المشروع المعادي لروسيا بدأت، ويثير هذا الوضع مخاوف معينة طبعاً».لكن هل يفكر بوتين جدّياً بضم إقليم «دونباس» أم بتنفيذ توغل جديد في أوكرانيا؟ أم أنه يطلق بكل بساطة جولة من استعراض القوة قبل انتخابات سبتمبر؟ الماضي هو مجرّد مقدمة لما يحصل اليوم. يتماشى تصعيد الخطاب ضد أوكرانيا مع طريقة تعامل بوتين في مجال السياسة الخارجية حيث حقق أكبر إنجازاته، ورغم تدهور الاقتصاد الروسي، حرص بوتين دوماً على فرض قوة موسكو في الخارج بما يفوق ثقلها الحقيقي، وأكدت روسيا استرجاعها مكانة القوى العظمى عبر سحق جورجيا في أغسطس 2008، ثم ضمّت شبه جزيرة القرم في مارس 2014، وعادت إلى الشرق الأوسط ووسّعت نفوذها في سورية وإيران، لكن نتائج الحرب في أوكرانيا كانت مختلطة، إذ تعني طبيعة هذا الصراع غير الحاسم أن بوتين يستطيع تكثيف ضغوطه على أوكرانيا حين يشاء، لكن هذا الوضع يعني أيضاً أن ذلك الصراع أصبح مستقنعاً حقيقياً كونه لم ينتهِ بطريقة واضحة وحاسمة كما أرادت روسيا.
لكن من وجهة نظر أرسيني ياتسينيوك، رئيس الحكومة الأوكراني السابق ومؤسس «مؤسسة أوكرانيا المفتوحة»، زادت قوة بوتين بكل وضوح في آخر خمس سنوات. برأيه، تجاوز جو بايدن الاختبار الذي فرضه عليه بوتين عبر الحفاظ على تماسكه خلال أحدث خطة لحشد القوات العسكرية، لكن يذكر ياتسينيوك، وهو من مؤيدي انتساب أوكرانيا إلى حلف الناتو، أن بوتين يملك خيارات عدة لمحاولة إرجاع أوكرانيا إلى المحور الروسي، حيث يريد بوتين برأيه أن يسترجع عظمة الإمبراطورية الروسية.حتى الآن، لم يتصرف بوتين كمغامر حقيقي بل كسياسي تكتيكي حذق، مما يعني أنه يحصد مكاسبه السهلة في الخارج حين يشاء وفي الأماكن التي يريدها وبغض النظر عن اعتراض الغرب، لكن مواقف بوتين تزداد تشدداً اليوم على ما يبدو، إذ لم يكن الرئيس الروسي يهتم كثيراً بإيجاد تسوية مع الغرب في السنوات الأخيرة، لكن هذه النزعة تبلغ أدنى مستوياتها اليوم. ربما يقف بوتين على مفترق طرق، وإذا نفّذ الأفكار التي ذكرها في مقالته الأخيرة، فقد تتحول المواجهة القائمة بين الشرق والغرب إلى صراع شائك ومخيف أكثر من أي وقت مضى. * جاكوب هيلبرون