تحت وطأة الضغوط الداخلية والوضع الأمني الهش، يتوجه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى واشنطن غداً على أمل الحصول على إعلان رسمي لجدول زمني لانسحاب القوات الأميركية، المطلب الأساسي للفصائل الموالية لإيران، يعطيه دفعاً سياسياً قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات النيابية المبكرة.وغداة انطلاق جولة الحوار الاستراتيجي الرابعة بواشنطن، استهدفت طائرة بدون طيار فجر أمس الأول قاعدة الحرير الأميركية على بعد نحو 70 كلم شمال شرق أربيل، بإقليم كردستان.
وإذ أكد المتحدّث باسم التحالف الدولي واين ماروتو أنه «لم يجرَ تسجيل أي أضرار أو ضحايا نتيجة الهجوم»، شدد على أن «الولايات المتحدة والتحالف سيبقيان يقظين ويحتفظان بالحق الطبيعي في الدفاع عن النفس».ويأتي الهجوم الجديد قبيل استقبال الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت البيض للكاظمي، الذي ضعف موقفه في مواجهة أزمات تتزايد تعقيداً على المستوى المعيشي والاقتصادي خصوصاً، لاسيما أزمة الكهرباء.ولم تتوانَ الفصائل عن تكثيف ضغوطها على الكاظمي والوفد الفني المشارك بالحوار الاستراتيجي، وتوعد الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي بأن «عمليات المقاومة مستمرة، وستظل حتى خروج كل القوات الأميركية من جميع الأراضي العراقية».ووصف الخزعلي تصريحات وزير الخارجية فؤاد حسين خلال لقاء نظيره الأميركي أنتوني بلينكن أمس الأول والتي تحدث فيها عن استمرار الحاجة إلى التدريب الاميركي لقوات الأمن العراقية بأنها «تسويق لمسوّغات إدارة بايدن من أجل استمرار وجود قواته بالعراق»، مشدداً على أن «الوجود الأميركي لا علاقة له بمصلحة العراق وإنما مرتبط بمصلحة الكيان الإسرائيلي».وكتب الخزعلي، في تغريدة: «حديث وزير الخارجية مؤسف ومرفوض من كل عراقي يعتز بمؤسساته العسكرية والأمنية، ولا يعكس حقيقة القدرات التي بلغتها قوات الجيش والشرطة الاتحادية، والحشد الشعبي وجهاز مكافحة الإرهاب».بدوره، اتهم المتحدث باسم حركة النجباء نصر الشمري «وزير الخارجية بالتقليل من قدرات القوات الأمنية وإهانة التضحيات والدماء»، معتبراً أن تصريحاته لا تمثل وجهة نظر العراق القوي بل تمثل وجهة نظر المحتل الأميركي الرامي إلى إطالة أمد احتلاله».كما هدد المسؤول الأمني لـ «كتائب حزب الله ـــ العراق» بالتصعيد إذا لم يتم التوصل إلى موعد واضح للانسحاب الاميركي الكامل.
حسين وبلينكن
وعلى هامش الجولة الرابعة، ثمن حسين أمس الأول جهود واشنطن لتأهيل القوات العراقيَّة وتجهيزها وتقديم المشورة المطلوبة في اعتمادها على قدراتها الذاتية، مؤكداً «أهمية ديمومة هذا الزخم لأنها لا تزال بحاجة إلى برامج التدريبِ والتسليحِ والتجهيزِ وبناء القدرات وتسعى إلى مواصلة التنسيق والتعاون الأمنيّ الثنائيِّ».وجدد «التزامَ الحكومة بحمايةِ أفراد البعثات الدبلوماسية ومقراتها ومنشآتها وضمانِ أمنِ القواعد العسكرية والتأكيد على الاحترام الكامل لسيادة العراق وعدم زجه في الصراعات الإقليميّة».ومن جهته، أكد بلينكن أن الشراكة مع بغداد أوسع وأعمق بكثير من مجرد حربهما المشتركة ضد تنظيم «داعش»، معلناً تقديم 155 مليون دولار مساعدات إنسانية إضافية لها وكذلك للاجئين العراقيين في المنطقة والمجتمعات المستضيفة لهم.«الهيئة التنسيقية»
وفي وقت سابق، هددت «الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة»، في بيان، بأنها لن تسمح بوجود أي جندي أميركي أو أجنبي مهما كانت صفته، أو تحت أي ذريعة بما فيها التحالف الدولي أو حلف شمال الأطلسي (الناتو)، محذرة من «اصطناع المشروعية والتدليس تحت عناوين مدربين ومستشارين أو كداعم وساند جوي لتحقيق مصالح خبيثة».وقالت التنظيمات، التي ينضوي بعضها بالحشد الشعبي ومنها «كتائب حزب الله» و»عصائب أهل الحق» و»كتائب سيد الشهداء» و«حركة النجباء»، إن «انسحاب القوات المحتلة كي يكون حقيقياً لا بد أن يكون شاملاً كل العراق، وخصوصاً قاعدتي عين الأسد والحرير الجويتين وكذلك قاعدة فكتوريا في مطار بغداد وقاعدة التوحيد الثالثة في المنطقة الخضراء».وأضافت هذه التنظيمات، التي تبنّت سابقاً هجمات على أهداف أميركية، أن «الأميركيين ومعهم التحالف أثبتوا فشلاً ذريعاً على مدى 10 سنوات وكانت النتيجة انهيار كل المؤسسة الأمنية والعسكرية عام 2014».وأشارت إلى أن «مجال عمل الأميركيين لا يخرج عن متطلبات أمنهم القومي والعمل لأجله وإن تسبب بنتائج كارثية على بقية الشعوب، وهم يستغلون مفاصل الأجهزة الأمنية لتحقيق ذلك، أما العراق وشعبه فلا يعنون لهم شيئاً أمام هذا الهدف».وبعد يوم من مباحثاته مع مسؤولة الشؤون الدولية في وزارة الدفاع (البنتاغون) مارا كارلين، ألمح مستشار الأمن القومي ورئيس الوفد المفاوض قاسم الأعرجي أمس إلى إمكانية خروج القوات الأميركية نهاية العام الحالي، مبيناً أنه أكد عدم الحاجة لأي قوة قتالية أجنبية وسيكون ليوم 31 ديسمبر 2021 طعم خاص.ولاحقاً، أكد مصدر بالوفد العراقي أنه لم يتفق حتى الآن على انسحاب كامل القوات، مشيراً إلى أن المباحثات مازالت مستمرة وهناك رغبة حكومية ببقاء المستشارين والمدربين العسكريين، لكن واشنطن ترغب في بقاء قوات عسكرية.ووسط تضارب في المعلومات، توقع مسؤولون أميركيون إصدار بايدن قراراً وشيكاً بعد لقاء الكاظمي بإنهاء عمل البعثة القتالية بنهاية العام والانتقال نحو توفير التدريب والمشورة للقوات العراقية، بحسب صحيفة «وول ستريت جورنال».بدورها، نقلت صحيفة «بوليتيكو» عن مصادر مطلعة أن مسؤولين أميركيين وعراقيين سيعلنون تحويل مهمة القوات لاستشارية بحلول نهاية العام، مبينة أن الخطة ستشمل بقاء عدد محدد لأجل غير مسمى لتقديم الدعم اللوجستي والاستشاري، فضلاً عن القوة الجوية والاستخبارية في قتال تنظيم «داعش».وقال مسؤول دفاعي أميركي كبير إن «النقطة الأساسية التي سنسمع بها وأعتقد أنها مهمة جداً هي أن إدارة بايدن ترغب في البقاء بالعراق لأن الحكومة دعتها إلى هناك، وطلبت مواصلة ذلك»، مضيفاً أن «المهمة لم تتغير، وما نتحدث عنه هو كيفية دعم القوات العراقية والتركيز سينصب على الأمور اللوجستية، وصيانة العتاد، ومساعدتها في تطوير قدراتها في قطاعي المخابرات والمراقبة».وذكر المتحدث باسم «البنتاغون» جون كيربي، في بيان، أن وزير الدفاع لويد أوستن انضم إلى المحادثات، التي ترأستها كارلين والأعرجي، لـ«إعادة تأكيد التزامه» مواصلة القتال إلى جانب العراق ضد «داعش».ويوم الخميس، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي إن «الحكومة العراقية راغبة في أن نواصل تدريب جيشها ومساعدته، وتقديم الدعم اللوجستي وتبادل المعلومات»، كما أكد المتحدث باسم الخارجية نيد برايس أن القوات الأميركية موجودة بدعوة من الحكومة العراقية.مدينة الصدر
في سياق آخر، أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أمس، اعتقال جميع أعضاء الشبكة «الإرهابية» التي «خططت ونفّذت» الهجوم الانتحاري الذي وقع في مدينة الصدر ببغداد الاثنين الماضي وأسفر عن مقتل 30 شخصاً وإصابة أكثر من 50 آخرين بجروح.وأضاف الكاظمي، في تغريدة، أن المسؤولين عن الهجوم الذي تبناه تنظيم داعش «سيعرضون اليوم أمام القانون وأمام شعبنا»، في إشارة إلى اعترافات يجري بثها في وقت لم يحدد بعد، بحسب مصدر أمني.واعتبر الكاظمي، خلال لقائه عوائل شهداء وجرحى تفجير مدينة الصدر، أن «الوضع السياسي أنتج هذه الفوضى والفساد، وأن المحسوبية وسوء الإدارة أوصلتا العراق إلى ما هو عليه الآن»، متعهداً «بمواجهة كلّ ما يعوق عمل الدولة والبحث عن الحكم الرشيد».