قبل أقل من أسبوعين من تسلم الأصولي إبراهيم رئيسي رئاسة إيران خلفاً للمعتدل حسن روحاني، انضم قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، أمس، إلى لائحة طويلة من المسؤولين الإيرانيين الذين زاروا محافظة خوزستان (الأهواز)، في محاولة لتهدئة الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ أكثر من أسبوع، بسبب شحّ المياه في هذه المحافظة المطلة على الخليج وتعتبر إحدى أبرز مناطق إنتاج النفط، ومن أغنى المحافظات، وتعتبر موطناً للأقلية العربية. وفي كلمة بمدينة الأهواز مركز المحافظة، قال سلامي، إن «خوزستان ليست محافظة مهمة بالنسبة لنا فحسب، إنما هي محافظة مقدسة، ولقد جئنا اليوم هنا للعمل على حل المشكلات تنفيذاً لأوامر المرشد الأعلى» علي خامنئي، الذي علق أمس الأول، للمرة الأولى على الاحتجاجات التي سقط فيها 9 قتلى على الأقل، معتبراً أنها مشروعة لكنه حذر من «إعطاء ذريعة لأعداء البلاد».
وأقر قائد الحرس الثوري بأن المحافظة تواجه أزمة في المياه والصرف الصحي، لافتاً إلى تدخل شركات اقتصادية تابعة لـ «الحرس» للمساعدة. وكان عدد من أبرز المسؤولين في إيران، وعلى رأسهم خامنئي وأمين مجلس الأمن القومي علي شمخاني، أعلنوا تأييدهم لمطالب المحتجين في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي وسط تصاعد حدة الاحتجاجات وامتدادها الى خارج المحافظة.
تقريع جهانغيري
ومساء أمس الأول تعرض إسحق جهانغيري النائب الأول للرئيس الإيراني حسن روحاني، الى التقريع خلال زيارة الى خوزستان.وخاطب أحد رؤساء العشائر الذي كان حاضراً جهانغيري قائلاً: «ألا تخجلون من أنفسكم؟!. تعبنا من الكلام وإطلاق الشعارات، ونريد إجراءات».وطالب الشيخ موسى كورشاتي، أحد شيوخ قبائل خوزستان العربية، طهران بالتوقف عن استخدام المياه من روافد كارون للأغراض الصناعية في المحافظات الأخرى، ودعا إلى الإفراج الفوري عن المعتقلين خلال الاحتجاجات.وقال شخص آخر للنائب الأول لرئيس إيران: «أغلقتم الماء على الناس، ثم احتج الناس واشتبكوا، واستشهدنا وقتلنا، ثم جاء السيد جهانغيري إلى هنا للضحك على ذقون الناس».اليوم التاسع
ورغم الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها السلطات بما في ذلك استخدام القوة وقطع الإنترنت والكهرباء عن مناطق الاحتجاج، تواصل الحراك مساء أمس الأول، في عدة مدن في خوزستان بينها الأهواز والخفاجية والفلاحية والحميدية.الدائرة تتسع
وفي حين أعلنت شخصيات عامة إيرانية، تضم كتّاباً وأكاديميين وأساتذة جامعات وفنانين وسينمائيين، عن تضامنها مع المحتجين في خوزستان، منددة باستخدام العنف بحق المحتجين، نظم متظاهرون في أليكودرز بمحافظة لورستان، التي تسكنها أغلبية من قومية اللور، مسيرة للتعبير عن تأييدهم للمتظاهرين في الأهواز. وأفادت تقارير معارضة بمقتل شاب وإصابة سبعة في هذه المحافظة، وألقت الشرطة الإيرانية باللوم على «مناهضين للثورة». ووفق مقاطع فيديو تم تداولها الأربعاء، أطلق محتجون هتافات تطالب بـ»موت الجمهورية الإسلامية» في المترو بالعاصمة طهران.«الموت لخامنئي»
في سياق متصل، أكد موقع «فيسبوك» أنه سيسمح للمستخدمين بنشر عبارة «الموت لخامنئي»، إضافة إلى رفع فيديوهات لأشخاص يرددون تلك العبارة، لمدة لا تتجاوز الأسبوعين، مبرراً ذلك بأنه يتم استخدام العبارة للنقد والاحتجاج ضد الحكومة، وليست تهديداً حقيقياً بالعنف.حرب مياه
ونقلت وكالة بلومبرغ عن عيسى كالانتاري، وزير الزراعة الإيراني الأسبق، قوله إن ندرة المياه سترغم 50 مليون إيراني أي 60 في المئة من السكان على مغادرة البلاد.وقبيل بداية هذا الصيف، توقع كالانتاري اندلاع «حرب مياه» بين المناطق الريفية، ما يعرض إيران لـ «خطر الزوال». وأشار تقرير بلومبرغ الى إن هناك مشكلات أخرى ملحة في انتظار إبراهيم رئيسي منها الوضع الاقتصادي ومفاوضات فيينا وموجة «كورونا» وشكوك حول شرعيته السياسية مع انخفاض مستوى المشاركة في الانتخابات الرئاسية، لكنه اعتبر أن أزمة المياه هي أكثر تحديات رئيسي تعقيداً، إذ إن اتجاهات تغير المناح تشير إلى أن فصول الصيف ستكون أشد حرارة وجفافاً في السنوات المقبلة، ومصادر المياه الجوفية في إيران قد نضبت بالفعل إلى حد خطير. ومثل خامنئي، يعتقد رئيسي أنه لكي تعزل الجمهورية الإسلامية نفسها عن الضغوط الدولية، يجب أن يكون لديها «اقتصاد مقاوم»، يُعتبر الاكتفاء الذاتي الزراعي أهم دعائمه. ومن الواضح أن هذا أمر مستحيل بينما تواجه إيران ما وصفه علماء البيئة بأنه إفلاس مائي وشيك.ويقول التقرير، إنه من سخرية القدر أن ندرة المياه هي إلى حد كبير نتيجة رغبة النظام في تحقيق الاستقلال الزراعي. فطوال عقود شجعت طهران على زراعة المحاصيل الأساسية على نطاق واسع، حيث حفزت المزارعين على استغلال كل المياه الجوفية التي يستطيعون الحصول عليها. ونتيجة لذلك، يتوقع علماء البيئة جفاف خزانات المياه الجوفية في 12 محافظة من محافظات إيران الـ 31 خلال الخمسين عاماً المقبلة. ويضيف أن المياه فوق الأرض تزداد ندرة أيضاً. وقد أدت إقامة السدود الكثيرة على أنهار خوزستان إلى أن تصبح بحيرات المحافظة جافة.ويختتم التقرير بإنه ليس من الصعب التنبؤ بالتداعيات السياسية لكل ذلك: سوف تكون هناك هجرة بسبب المناخ على نطاق ملحمي. وإذا كان عدد من سيهاجرون الذي تنبأ به كالانتاري وهو 50 مليون نسمة يبدو مرتفعاً، فإن أعداداً كبيرة جداً من الإيرانيين بدأوا بالفعل الانتقال من المناطق الريفية إلى المراكز الحضرية، مما يضاعف أعداد العاطلين والغاضبين. وقادة طهران ليسوا في حاجة لتذكيرهم بالمرة الأخيرة التي حدث فيها هذا. إذ إن سخط الطبقة الدنيا في المناطق الحضرية كان الشرارة التي أشعلت ثورة 1979 التي أقامت الجمهورية الإسلامية، حسب التقرير.في سياق آخر، قتل 4 عناصر من الحرس الثوري في اشتباك ليل الجمعة ـ السبت مع مجموعة من «الأشرار» في محافظة سيستان-بلوشستان جنوب شرق البلاد. وتقع منطقة الاشتباك على مسافة نحو 140 كلم الى الجنوب من مدينة زاهدان، مركز المحافظة الحدودية مع باكستان وأفغانستان.وشهدت سيستان-بلوشستان توترا خلال فبراير ومارس الماضيين، وفق وسائل إعلام إيرانية، تخللته احتجاجات وهجمات على مقار أمنية وتبادل لإطلاق النار مع مسلحين.وأتى التوتر في أعقاب إطلاق نار عند نقطة حدودية مع باكستان لدى محاولة «تجار وقود غير شرعيين» العبور نحو الأراضي الإيرانية.وينشط في هذه المحافظة انفصاليون من البلوش وجماعات جهادية، سبق لإيران أن اتهمت إسلام أباد بدعمهم.وشهدت سيستان-بلوشستان اعتداءات عدة في الأعوام الماضية استهدفت قوات الأمن. وكان من أبرزها هجوم في فبراير 2019 أدى الى مقتل 27 عنصرا من الحرس الثوري.وقالت الجمهورية الإٍسلامية حينها إن الهجوم نفذه انتحاري باكستاني.وتبنت الهجوم جماعة «جيش العدل» السنيّة المتطرفة، والتي تقول طهران إنها تشن عمليات غالبيتها انطلاقا من قواعد في باكستان المجاورة.