هناك غموض واستغراب وأسئلة كثيرة تتعلق بقرار مجلس إدارة الهيئة العامة للقوى العاملة باشتراط دفع رسم قدره 2000 دينار لمن بلغ 60 عاماً فأكثر من حملة الثانوية العامة وما دونها من أجل إصدار إذن عمل في البلاد، فهذا الرسم يعتبر باهظاً بالمقارنة مع الدول الخليجية القريبة في أوضاعها الديموغرافية من الكويت، والغريب أنه ارتبط بالعمر لا بالصنعة الفنية أو الحاجة أو حتى طول الإقامة والسيرة الحسنة في العمل.فمثلاً الكويتي صاحب أي محل أو كراج للسيارات أو مطعم والذي يعمل فيه عشرة وافدين عملوا في الكويت لسنوات طويلة، وكانوا ذوي خبرة وأمانة، سيضطر إلى دفع عشرين ألف دينار سنوياً للحصول على إذن عمل لهم كل سنة، فلنتخيل كم سيحتاج أصحاب الأعمال الصغيرة من مبالغ ومدى انعكاس ذلك على الخدمات والسلع وأسعارها، وهل يتفق هذا مع توجه الدولة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة؟
أما إذا كان الهدف من فرض هذا الرسم الباهظ هو- حسب ما نشرته بعض الصحف- أن تشمل هذه الرسوم التأمين الصحي لدى إحدى شركات التأمين أو المستشفيات الخاصة، فإن هذا الهدف موجود في القانون (1999/1) الذي قدمته شخصياً في مجلس 99 وصدر بتأييد وتعديل من وزارة الصحة والذي نص في مادته الثانية على: "لا يجوز منح الإقامة إلا بعد الحصول على وثيقة التأمين أو الضمان الصحي"، وبينت المادة الثالثة "أن تتولى شركات التأمين تقديم خدمات التأمين الصحي للأجانب وفقاً للشروط والضوابط التي تضعها وزارة الصحة"، ونصت المادة السابعة على "جواز الاستعاضة عن التأمين الصحي بالضمان الصحي الذي تقدمه مستشفيات القطاع الخاص أو وزارة الصحة"، وهي نصوص عامة وليست محصورة بعمر أو شهادة.وللأسف طبقت الحكومة الفقرة الأخيرة من المادة السابعة، أي علاج الوافدين بواسطة الضمان الصحي في وزارة الصحة منذ صدوره، وتم إهمال المادة الثانية والثالثة كما لم يتم العمل بالفقرة الأولى من المادة السابعة.وكان بإمكان هيئة القوى العاملة اليوم أن تطبق هذه الفقرات من القانون التي لم تطبق ومطالبة الوافد بشراء تأمين صحي دون إلزامه بدفع 2000 دينار سنوياً، علما أن قيمة التأمين الصحي تقل كثيراً عن قيمة الرسم المعلن، وهذا هو الأفضل، أي أن يدفع الوافد مقابل خدمة يقدمها القطاع الخاص وليس لنظير الإقامة في البلاد، كما أن هذا سيؤدي الى تخفيف الضغط على القطاع الصحي الحكومي.واذا كان الهدف من ذلك القرار هو تطبيق سياسة الإحلال بدفع هؤلاء الوافدين لمغادرة البلاد وإحلال الكويتيين مكانهم فهذا الهدف لن يتحقق بالتأكيد لأن الأعمال التي يشغلها الوافدون من حملة الثانوية العامة وما دونها هي الأعمال اليدوية والبسيطة التي لا يعمل بها الكويتيون، وأيضاً إذا كان الهدف هو الإحلال فإن تطبيق هذا القرار على الوافدين حملة الشهادات الجامعية وبالأخص أصحاب الشهادات التي يتوافر فيها فائض كبير من الكويتيين هو الأولى من تطبيقه على حملة الثانوية وما دونها الذين لا يوجد بديل لهم من الكويتيين، وقد قمنا بوضع النصوص التي تحقق ذلك في القانون (2000/19) ولكن هذه النصوص لم تطبق أيضاً إلى هذا اليوم.وإذا كان الهدف هو تدعيم إيرادات الدولة من مبالغ الرسوم فإن هذا الهدف إذا تحقق فسيكون على حساب الكويتيين الذين سيفاجؤون بغلاء وزيادة في أسعار الخدمات التي يقدمها الوافدون مع توقع ندرة الأيدي التي تقدمها، بالإضافة إلى تأثيرها على إنفاق الوافدين وقوتهم الشرائية في البلاد، حيث إن هذا المبلغ يشكل ثلث متوسط الراتب الشهري للوافد في القطاع الخاص، وسيؤثر على إنفاق الوافدين في القطاعات الأخرى، مما سينعكس سلباً على الاقتصاد.لم يفرق مجلس إدارة هيئة القوى العاملة بين هدفين: الأول، هو حاجة القطاع الخاص إلى العمالة الأجنبية في المهن اليدوية والبسيطة التي لا يشغلها الكويتيون بحيث لا يتم إثقال هذه العمالة بالرسوم والأعباء؛ لكي تقدم السلعة أو الخدمة بالسعر المناسب والمنافس، وتساهم في الاقتصاد وتحريك القطاع الخاص الذي يجب أن يقود الاقتصاد حسب الخطط الخمسية التي صدرت بقانون، والثاني هو مطاردة العمالة السائبة والهامشية غير المنتجة التي تكلف البلاد قيمة خدمات كثيرة ودفعها الى مغادرة البلاد، فقامت بوضع رسم باهظ يشمل جميع الوافدين بعمر الستين من حملة الثانوية العامة وما دونها، في حين كان الواجب مراعاة العمالة الجادة والمنتجة بحيث تستفيد منهم الدولة وفي الوقت نفسه ألا يكونوا عبئاً عليها، وذلك بإبعاد الحكومة ما أمكن عن الخدمات التي تُقدم للوافدين، بحيث يكون تقديمها من القطاع الخاص نفسه كالصحة والتعليم وسائر الخدمات، وهذا هو الإجراء السليم الذي يتيح للوافد اختيار مستوى الخدمة التي يريد وعدد مرات التزود بها أو التردد عليها، وسيقوم الكثير منهم بالاقتصاد والتوفير في هذه الخدمات لخفض الكلفة عليهم، كما أن الوافد الوهمي لن يستطيع التحايل على خدمات القطاع الخاص أو استنزافها.الخلاصة أن فرض رسوم للحصول على إذن عمل في البلاد أمر مطلوب، ولكن يجب أن تكون هذه الرسوم في حدود المعقول والمطاق ولا تؤدي الى إعاقة الأعمال الصغيرة والمتوسطة، كما يجب أن تتغير الإجراءات بحيث تكون المبالغ التي يدفعها الوافد أو كفيله مقابل خدمات حقيقية يقدمها القطاع الخاص لا الحكومة. والله الموفق.
مقالات
رياح وأوتاد: مناقشة هادئة لقرار الـ 2000 دينار
26-07-2021